للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في البيان، وفي الكتاب الحق: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} (١)

والحديث سيق مساق التمثيل بجعل الجنة والنار بمنزلة شخصين عاقلين يتحاوران ويتجادلان، ثم يفصل بينهما الحُكْمُ العَدْلُ بما فيه فصل الخطاب، وفي لغة العرب وطرقهم في «البيان» الكثير من ذلك، قال الشاعر العربي:

شَكَا إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى * ... * ... * صَبْرًا جَمِيلاً فَكِلاَنَا مُبْتَلَى

ولا شكوى ولا كلام وإنما هو تمثيل.

وقال امرؤ القيس في معلقته المشهورة مخاطبا الليل:

فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ * ... * ... * وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ

أَلاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلاَ انْجَلِى * ... * ... * بِصُبْحٍ وَمَا اْلإصْبَاحُ فِيكَ بِأَمْثَلِ

وقال الآخر: امتلأ الحوض وقال قطني.

والحوض لا يتكلم وإنما هو تخيل وتمثيل، على أن الحديث يجوز أن يحمل على أن المحاجة كانت بين ملكين موكلين للجنة والنار، يكون الكلام من قبيل المجاز بالحذف، أي تحاج ملك الجنة وملك النار.

ولو ذهبنا إلى ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الكلام على حقيقته لا مجازه لم نبعد، ولسنا في ذلك حشويين ولا جامدين - كما يزعم المؤلف في نبذ كل عالم متثبت - إذ ليس بكثير على قدرة الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أن يخلق في الجماد إدراكًا به يعقل وينطق، وإذا كان العقل البشري قد توصل إلى اختراع الإنسان الآلي الذي يسير ويتحرك وينطق ويحسب، أفنستكثر على قدرة الحق - جَلَّ وَعَلاَ - أن يُحَدِّثُ التمييز والنطق في الجنة والنار؟

وأما قوله: «حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ ... الخ» وفي رواية «قدَمَهُ».

فللعلماء في هذا وأمثاله رأيان: إما التفويض مع التنزيه والإيمان به


(١) [سورة ق، الآية: ٣٠].