لأن تصرفه يدل على تمكنه من ذلك المعنى، قال الحاكم:«وهذا نحو ما قاله مشايخنا أن الأمر حقيقة في القول، مجاز في الفعل، لأن لهذا اللفظ تصرفا، ثم تصرفه اختص بالقول، حتى قالوا: أمر يأمر أمرا فهو آمر، وذلك مأمور، وأمر يؤمر، فتصرف فيه دون الفعل.
ولا يقال: فمن الحقائق ما لا تصرف له أصلا، كالرائحة ونحوها، لأنا لم نقل: كل ما لا تصرف له فهو مجاز، بل قلنا: إذا كان للفظ تصرف ثم وجد ذلك التصرف في موضع ومعنى، ولم يوجد في موضع آخر، علم أنه حقيقة في الأول، مجاز في الثاني، فأما عدم التصرف فقد تكون ألفاظ لا تصرف لها وإن كانت حقيقة» «١».
٤) أن يعلم أن معنى اللفظ لا يصح فيما علق به فيعلم أنه مجاز، وذلك نحو قوله:(جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) و (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) لأن الإرادة والسؤال لا تصح على الجماد، فعلمنا أن استعماله فيه مجاز.
أ) أما إثبات المجاز في القرآن، فدليله عند الحاكم «أنه تعالى خاطب بلغة العرب فجاز أن يخاطب بضروب كلامهم، يبين ذلك أنه خاطب بالعموم والخصوص، والمجمل والمبيّن، ثم من كلامهم الحقيقة والمجاز فجاز أن يخاطبهم بكل واحد منهما .. ولأنه تعالى قال:(جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) والإرادة لا يصح تعلقها بالجدار، ولأنه تعالى قال:
(يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ)(فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) وكل ذلك اتساع في الكلام».