ولا يصح الالتفات إلى ما احتج به أهل الظاهر من أن استعمال المجاز إنما يكون للحاجة، أو يوقع في اللبس، لأن المجاز باب من أبواب البلاغة والتصرف في الكلام «وكل ما كان للاتساع أكثر كان أفصح وأحسن، وربما يكون أبلغ في المعنى»، ولأن اللّبس المزعوم يزول بالقرائن المتصلة به الدالة على المراد.
كما لا يصح أيضا الالتفات إلى قولهم إن القرآن كله حق فوجب أن يكون كله حقيقة! وإنه لا يحسن العدول عن الحقيقة مع القدرة عليها، وذلك لأن استعمال المجاز حق وصدق وإن كان استعمالا للكلام في غير ما وضع له في الأصل، وقد استعمله على ذلك أهل اللغة، ولا يمتنع أن يكون حقا ودلالة مع كونه مجازا! يدل عليه ما روى عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: يا أنجشة رفقا بالقوارير، قال الحاكم: فهذا من أفصح الكلام وأدلّه على المراد، وهو حق وإن لم يكن حقيقة!
كما أن العدول عن الحقيقة إلى المجاز يحسن إذا كان فيه غرض صحيح من اختصار، أو رشاقة لفظ وعذوبة، أو مبالغة في الوصف ونحوها، قال الحاكم:«وإنما لا يوصف تعالى بأنه «متجوز» - من المجاز- لما فيه من إيهام الخطا، كما لا يسمى معلّما، ولا يسمى بأسماء كثيرة للإيهام، وإن كان صحيحا». «١»
ب) والواجب عند الحاكم- في الوقوف على معاني الكلام- أن يحمل الكلام على ظاهره وحقيقته في أصل اللغة، إلا إذا قامت الدلالة على نقله