على الآية من القرآن غير أبي مسلم فإنه حمل ذلك على التوراة والانجيل والشرائع التي فيها، وقال: أراد ما ننسخ من آية، أي من شرائعهم وكتبهم. (أو ننسها) يعني لا ذكر لها في القرآن (وننسئها) نؤخرها ونبقيها فلا ينسخها القرآن، ونذكرها في القرآن. وقوله (نأت بخير منها) يعود الضمير في «منها» إلى ما ننسخ، وفي (مثلها) يرجع إلى ما لم ننسخ»، قال الحاكم:«وهو محجوج بالإجماع. والذي ذكره هاهنا وجه وربما تأول الآيات المنسوخة على تأويل بعيد، ويتعسف فيها».
وعرض الحاكم لموضوع مخالفة اليهود في النسخ، وأطال الرد عليهم في مسألة البداء- على منهجه الكلامي المعهود- فقال في «أحكام» آية النسخ السابقة: «ولا خلاف بين المسلمين في جواز النسخ، وإنما خالف في ذلك اليهود، فمنهم من يأباه عقلا ويزعم أنه بداء، ومنهم من يأباه سمعا بخبر زعموا أنه من موسى عليه السلام! وفيهم أيضا من
يجوز النسخ.
وعندنا: الشرائع مصالح فلا يمتنع أن تختلف بالأزمنة والأمكنة».
«أما الفصل بين النسخ والبداء فالأصل فيه أن الشيء إنما يدل على البداء إذا اجتمع فيه شرائط خمس: أولها أن يرد أمر ونهي وثانيها أن يكون الفعل واحدا. وثالثها أن يكون الوقت واحدا. ورابعها أن يكون المكلّف واحدا. وخامسها: أن يكون الوجه واحدا.
فمتى تكاملت هذه الوجوه دل على البداء، ومتى أخل بوجه منها لا يدل».
قال: «وإن شئت قلت: كل نهي قرنته بأمر فلم يدل على المناقضة لا يدل على البداء، وكل ما يدل على المناقضة يدل على البداء. وإن شئت قلت: كل أمر ونهي ورد أحدهما عقيب الآخر، ويصح حصولهما