للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسلم: "من توضأ فليستنشق" (١)، والأمر للوجوب، ولأن كل من وصف وضوءه -عليه السلام- مستقصى ذلك أنه تمضمض واستنشق، ومداومته عليهما تدل على وجوبهما، ولأنهما في حكم الظاهر لا يشق غسلهما، فوجب لقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] (٢).

ترك موالاة الوضوء يبطل ... حتى لو سهوا لهذا نقلوا

أي: الموالاة فرض في الوضوء نص عليه في مواضع، فلا تسقط عمدًا ولا سهوًا، وبوجوبها قال الأوزاعي وقتادة (٣)، لحديث عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يصلي وفي ظهر (٤) قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد الوضوء والصلاة .. رواه (٥) أبو داود، ولو لم تجب الموالاة لأمره بغسل اللمعة فقط، ولأنها عبادة يفسدها الحدث فاشترطت لها الموالاة كالصلاة، والآية دلت على وجوب الغسل، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - كيفيته بفعله، فإنه لم ينقل عنه أنه توضأ إلا متواليًا.


(١) الذي في مسلم عن أبي هريرة: "إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر" وفي أخرى: "من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر" وهو في الصحيح برقم ٢٣٧.
(٢) جزء من آية الوضوء في سورة المائدة الآية ٦.
(٣) وهو المشهور في مذهب المالكية قال الباجي في المنتقى شرح الموطأ ١/ ٧٦.
مسألة: إذا ثبت ذلك فإن تفريق الوضوء لغير عذر يبطله على المشهور من المذهب وقال محمَّد بن الحكم: لا يبطله وقد تأوله غيره من أصحابنا على المذهب وبه قال أبو حنيفة والشافعيُّ.
وجه القول الأول: أن هذه عبادة يبطلها الحدث الأصغر فكانت الموالاة شرطًا في صحتها كالصلاة والطواف، ووجه القول الثاني: (أن هذه طهارة فلم يكن من شرطها الموالاة كطهارة النجاسة).
ثم ذكر أن من تركها لعذر كالناسي فإن الأصح عن مالك أنه لا يبطل وضوؤه وذكر أبو زيد رواية عن مالك: (أنه يبطل متى كان المنسي من المغسولات فرضًا، وهكذا إذا عجز عن الكفاية من الماء فإنه يبني ما لم يجف العضو في أحد قولي ابن القاسم).
(٤) سقطت من د.
(٥) أبو داود برقم ١٧٥ وابن ماجة ١/ ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>