بوفور الْعِمَارَة، ودرور الجباية، ولبست حلَّة الجناب الخصيب، وفازت من الِاعْتِدَال وأوصاف الْكَمَال بأوفى نصيب. فيالها من غادة، كلما مرت عَلَيْهَا الْأَيَّام، استجد شبابها، وأينع جنابها، وضفى من الْحسن جلبابها، حَتَّى كَأَن عين أم يحيى سقتها من عين الْحَيَاة، فنورها الدَّهْر باهر الْآيَات، ومحاسنها راثقة الْغرَر والشياه، تخدع بِاللَّفْظِ الخلوب، وتغلب على لظى الأشواق أفلاذ الْقُلُوب. حركت الْمُلُوك الصَّيْد وسكنت، فَمَا بذلت من قيادها وَلَا أمكنت. ضَاقَ بِعَبْد الْمُؤمن طوقها، فَبعد لأي مَا مزقه، وَرجع مِنْهَا إِلَى السعيد سَهْمه الَّذِي فَوْقه. وَلم تزل أَحْوَال محبيها من بعد ذَلِك مُخْتَلفَة، وَقُلُوبهمْ بهواها كلفة، فَمنهمْ من حياها على الْبعد، وقنع من وَصلهَا بالوعد، وَاقْتصر مِنْهَا على الْإِلْمَام، وإهداء السَّلَام. وَمِنْهُم من جد الْجد وَهِي تسخر، ولان لَهَا القَوْل مِنْهُ وَهِي تبأى وتفخر، وَلم يجد مُتَقَدما عَنْهَا وَلَا مُتَأَخّر، حَتَّى غلب الْيَأْس، وخاب الْقيَاس. وَمِنْهُم من بَاعَ الْكرَى بالسهد، وَوجد مرَارَة الصَّبْر أحلى من الشهد، وبذل لَهَا فِي المجال نثار رُؤُوس الرِّجَال، وسخى عَلَيْهَا حَتَّى بالأعمار والآجال، وَنَازع الْحَرْب إِلَى الغلاب والسجال. فالجنبات يلوى ضلوعها الزَّفِير، والمجانيق يدمى أنوفها السُّجُود والتعفير، [فالجياد] تَشْكُو من بَاب جهادها إِلَى غير رَاحِم، وتظمأ فتسقى من نجيع الْمَلَاحِم، حَتَّى أذعنت إذعان الْقَهْر، ورضيت بِمَا بذل لَهَا من الْمهْر، وجاذب رداءها من أردى لَهُ أوداءها، وأماط قناعها من غلب بِالصبرِ امتناعها. ثمَّ ضرب الدَّهْر ضرباته، وَأقَام للقدر برهانه، فَرَاجعهَا من كَانَ يهواها، وَأثبت فِي الْإِكْرَاه دَعْوَاهَا، بعد أَن حصلت لَهَا بمقامكم علاقَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute