مهمات الْأُمُور، وَكَانَ اللحاق بغور من بعض تِلْكَ الثغور، أتيناها والنفوس مستبشرة، والقباب لأَهْلهَا منتظرة، فحمدنا الله على كَمَال الْعَافِيَة، وَقُلْنَا فِي غَرَض تجنيس القافية:
(وَلما اجتلينا من نُجُوم قبابنا ... سنى كل خفاق الرواق بغور)
(زرينا على شهب السَّمَاء بشهبها ... مَتى شِئْت يَا زهر الثواقب غور)
أظلتنا بهَا لَيْلَة شَاتِيَة، وألحفتنا أنواء للْأَرْض مؤاتية، فَلَمَّا شَاب مفرق اللَّيْل، وشمرت الْآفَاق من بزتها العباسية فُصُول الذيل، بكرنا نغتنم أَيَّام التَّشْرِيق، وندوس بأرجلنا حبات الطَّرِيق، وجزنا فِي كنف الْيمن وَالْقَبُول، بحصن الببول حَسَنَة الدولة اليوسفية، وَإِحْدَى اللطائف الْخفية، تكفل للرفاق بمأمنها، وفضح سَرِيَّة الْعَدو فِي مكمنها، من أَبيض كالفازة ضمن الْفَوْز فِي تِلْكَ الْمَفَازَة، فحييناه بأيمن طير، وتمثلنا عِنْده بقول زُهَيْر:
(وسكنتها حَتَّى إِذا هبت الصِّبَا ... بنعمان لم تهتز فِي الأيك أغصبان)
(وَلم يَك فِيهَا مقلة تعرف الْكرَى ... فَلَو زارها طيف مضى وَهُوَ غَضْبَان)
وَكَانَ ملقى الحران منابت الزَّعْفَرَان بسطة حرسها الله، وَمَا يبسطه، مَحل خصيب، وبلدة لَهَا من اسْمهَا نصيب، بَحر الطَّعَام، وينبوع الْعُيُون المتعددة، بِتَعَدُّد أَيَّام الْعَام، ومعدن مَا زين للنَّاس حبه من الْحَرْث والأنعام، يَا لَهَا من عقيلة، صفحتها صقيلة، وخريدة محاسنها فريدة، وعشيقة نزعاتها رشيقة، لبست حلَّة الديباج الْمُوشى، مفضضة بلجين الضُّحَى، مذهبَة بنضار الْعشي، وسفرت عَن المنظر الْبَهِي، وتبسمت عَن الشنب الشهي، وتباهت بحصونها مباهاة الشَّجَرَة الشماء بغصونها، فَوَقع النفير، وتسابق إِلَى لقائنا الجم الْغَفِير، مثل الفرسان صفاء، وانتثر الرحل جنَاحا ملتفا، وَاخْتَلَطَ الْولدَان بالولائد، والتمائم بالرئد، فِي حفل سلب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute