للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

النها، وَجمع الْبَدْر والسها، والضراغم والمها، وَألف بَين القاني والفاقع، وسد بالمحاجر كؤوس البراقع، فَلَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد وَحسن منظره الَّذِي يشفى من الكمد، لَو نظر الشَّاعِر إِلَى نوره المتألق، لآثرها بقوله فِي صفة بِلَاد جلق:

(بِلَاد بهَا الْحَصْبَاء در وتربها ... عبير وأنفاس الرِّيَاح شُمُول)

(تسلسل مِنْهَا مَاؤُهَا وَهُوَ مُطلق ... وَصَحَّ نسيم الرَّوْض وَهُوَ عليل)

رمت إِلَى غَرَض الْفَخر بِالسَّهْمِ الْمُصِيب، وَأخذت من اقتسام الْفضل بأوفى نصيب، وكفاها بِمَسْجِد الْجنَّة دَلِيلا على الْبركَة، وبباب الْمسك عنوانا على الطّيب، يغمر من الْقرى موج كموج الْبَحْر، إِلَّا أَن الرِّيَاح لاعبتنا ملاعبة الصراع، وكدرت الْقرى بالقراع، ولقينا من الرّيح، مَا يلقاه قلب المتيم من التبريح. وَكلما شكت إِلَيْهَا الْمضَارب شكوى الجريح، تركتهَا بَين المائل والطريح.

وَلما توَسط الْوَاقِع، والتقمت أنجم الْعَرَب المواقع، صدقت الرّيح الكرة، وجادتنا الْغَمَام كل عين تره، حَتَّى جهلت الْأَوْقَات، واستراب الثِّقَات. فتستر الْفجْر بنقابه، وانحجر السرحان فِي غابه، وَكَانَ أَدَاء الْوَاجِب بِحَدّ خُرُوج الْحَاجِب. وارتحلنا وَقد أذن الله للسماء فأصحت، وللغيوم فسحت، وللريح فَلَانَتْ بعد مَا ألحت، وساعد التَّيْسِير، وَكَانَ على طَرِيق قنالش الْمسير، كبرى بناتها، وشبيهتها فِي جداولها وجناتها، مَا شِئْت من أدواح توشحت بِالنورِ وتنوجت، وغدران زرع هبت عَلَيْهَا الصِّبَا فتموجت، سفربها الشَّقِيق الأرجواني. عَن خدود الغواني، فأجلنا الْعُيُون فِي رياض، وتذكرنا قَول القَاضِي عِيَاض:

(انْظُر إِلَى الزَّرْع وخاماته يحْكى ... وَقد مَاس أَمَام الرِّيَاح)

(كتيبته خضرًا مهزومة شقائق ... النُّعْمَان فِيهَا جراح)

مثل أَهله فَسَلمُوا، وَمن عدم النُّزُول بهم تألموا، وأتينا فحص الْأَبْصَار

<<  <  ج: ص:  >  >>