فتجددت لَهُ ملابس المجادة، وتذكر عهود من حل بِهِ عِنْد الْفَتْح الأول من السَّادة، لما خَفَقت بِهِ راية سعد بن عبَادَة. وَلم تزل الركايب تغلى الفلاة فرى الْأَدِيم، وَأَهله السنابك صيرها السّير كالعرجون الْقَدِيم، حَتَّى ألحفتنا شجراته المضبر بشذاها العنبر، وراقتنا بِحسن ذَلِك المنظر، سوار مصفوفة، وأعلام خضر ملفوفة، ونخل يانعة البسوق، وعذارى كشفت حللها الْخضر عَن السُّوق، كَأَنَّهَا شمرت الأذيال لتعبر الْوَادي على عَادَة نسا الْبَوَادِي، ينساب بَينهَا الزلَال المروق، ويغني فَوْقهَا الْحمام المطوق، فتهيج الجوى، وتجدد عهود النَّوَى، صبحتنا بهَا أصوات تِلْكَ الغمارى، وأذكرتنا قَول أبي حصن الحجاري:
(وَمَا رَاعى إِلَّا ابْن وَرْقَاء هَاتِف ... على فنن بَين الجزيرة وَالنّهر)
(أدَار على الْيَاقُوت أجفان لُؤْلُؤ ... وصاغ على المرجان طوفا من التبر)
(حدير شبا المنقار داج كَأَنَّهُ ... شبا قلم من فضَّة مد فِي تبر)
(توسد من فَوق الْأَرَاك أريكة ... وَمَال على طي الْجنَاح مَعَ الصَّدْر)
(وَلما رأى دمعي مراقا أرابه ... بُكَائِي فاستولى على الْغُصْن النَّضر)
(وحث جناحيه وصفق طائرا ... فطار بقلبي حَيْثُ طَار وَلَا أَدْرِي)
ونزلنا بِظَاهِر حصن شيرون، وَقد ترعرع شباب الْيَوْم، وطالبنا عزيم الظهيرة بمنكسر فرض للنوم، حصن أَشمّ، ومناخ لَا يذم، نزلنَا الهضبة بإزائه، وغمرنا من بره، مَا عجزنا عَن جَزَائِهِ، وعثرنا بَين الْمضَارب، بِبَعْض العقارب، سود الروس، متوجة بأذنابها فِي شكل الطاووس فتلقينا ذَلِك بسعة الصَّدْر، ومكنا الْعَقْرَب من منَازِل الْبَدْر. ودخلنا بِمثل تِلْكَ الصُّورَة، نلتحف ظلال وَادي المنصورة، سمر الأندية، وسلطان الأودية، يالها من أرائك مهدلة السجوف، وجنات دانية القطوف، ينساب بَينهَا للعذب الزلَال، أَرقم سريع الانسلال،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute