لشهره بالظهور، على مَا تقدمه من الشُّهُور، رمت الْبَلدة فِيهِ بأفلاذها، وقذفت بثباتها وأفذاذها، وبرز أَهلهَا، حَتَّى غص بهم سهلها، وَقد أَخذهم التَّرْتِيب، ونظمهم المصف العجيب، تقدمها مراكب الْأَشْيَاخ الجلة، وَالْفُقَهَاء الَّذين هم سراج الْملَّة، وخفقت أَصْنَاف البنود المطلة، واتسقت الجموع، الَّذِي لَا توتى بحول الله من الْقلَّة، وتعددت بمناكب البدور أشكال الْأَهِلّة، فِي جموع تسد مهاب الصِّبَا، وتكثر رَحل الدبا، صُفُوفا كَصُفُوف الشطرنج، على أَعْنَاقهم قسى الفرنج، وَقد نشرُوا البنود الشهيرة الألوان، واستشعروا فِي يَوْم السّلم شعار الْحَرْب الْعوَان، يتسابقون من الاحتفال إِلَى غَايَة، وَيرجع كل مِنْهُم إِلَى شعار وَإِلَى راية، وَقد أَحْسنُوا بالمشيخة الاقتدا، وَرفعُوا بِالسَّلَامِ الندا، وامتاز خدام الأساطيل المنصورة، فِي أحسن الصُّورَة، بَين أَيْديهم الطبول والأبواق، تروح أصواتها وتهول، وتألق من تجار الرّوم من استخلص الْعدْل هَوَاهُ، وتساوى سره ونجواه، فِي طروق من الْبر ابتدعوها، وأبواب من الاحتفاء شرعوها، فَرفعُوا فَوق الركاب المولوي، على عمد الساج مظلة من الديباج، كَانَت على قمر العلياء غمامة، وعَلى خصر الْمجد كمامة، فراقتنا بِحسن الْمعَانِي، وأذكرنا قَول أبي الْقَاسِم بن هاني:
(وعَلى أَمِير الْمُسلمين غمامة ... نشأت تظلل تاجه تظليلا)
(نهضت بعبء الدّرّ ضوعف ... نسجه وَجَرت عَلَيْهِ عسجدا محلولا)
إِلَى غير ذَلِك من أروقة عقدوها، وكرامة أعدوها، وطلعت فِي سَمَاء الْبَحْر أهلة الشواني كَأَنَّهَا حواجب الغواني، دالكة الْأَدِيم، متسربلة بِاللَّيْلِ البهيم، تتزاحم وفودها على الشط، كَمَا تتداخل النونات فِي الْخط، فياله من منظر بديع الْجمال، أَخذ بعنان الْكَمَال، بكر الزَّمَان، وَآيَة من آيَات الرَّحْمَن، حَتَّى إِذا هالت الْقبَّة استدارت، وبالغمر السعد من وَجه السُّلْطَان أيده الله أنارت، مثلُوا فَسَلمُوا، وطافوا بِرُكْن مقَامه واستلموا، وأجهروا بِالتَّلْبِيَةِ، ونظروا من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute