للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِلَى نفس آخذة بأقاصي الْكَمَال، وشمائل ألطف من أنفاس الصِّبَا وَالشمَال، وأدب انْتهى إِلَى الْقُلُوب من الآمال، قدم على الحضرة بِأول الدولة لأَدَاء حق الطَّاعَة والانتظام فِي الْجَمَاعَة،

وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن السراج

طَبِيب ماهر، وَروض علم تفتحت فِيهِ للفنون أزاهر، درج من الشظف إِلَى السعَة، وتحلى بحلية الْعلم فرفعه، فَبلغ الْغَايَة الَّتِي لطف محلهَا، وَفَاء عَلَيْهِ ظلها، وتقلبت عَلَيْهِ الْأَيَّام فاعتورته صروفها، وتنكر عِنْده معروفها لما ذكرته فِي كتاب " طرفَة الْعَصْر فِي اختبار دوَل بني نصر "، ثمَّ تداركت صَلَاح حَاله ومتعته بِطيب الْقَرار بعد ارتحاله، فاستقرت دَاره، واستقام على قطب الْعِنَايَة مَدَاره، وَكَانَ رَحمَه الله كثير الدعابة، وَمَا شانه ذَلِك وَلَا عابه، وَله نظم ينخرط فِي سلك الانطباع، وتخبر بطول الباع.

وَمن ذَلِك فِي وصف أبي زَكَرِيَّا يحيى بن هُذَيْل التجِيبِي درة بَين النَّاس مغفلة، وخزانة على كل فَائِدَة مقفلة، وهدية من الدَّهْر الضنين لِبَنِيهِ محتفلة، أبرع من رتب التعاليم وَعلمهَا، وركض فِي الألواح قلمها، وأتقن من صور الْهَيْئَة وَمثلهَا، وَأسسَ قَوَاعِد الْبَرَاهِين وأثلها، وَأعرف من زاول شكاية، وَدفع عَن جَسَد نكاية إِلَى غير ذَلِك من الْمُشَاركَة فِي الْعُلُوم، والوصول من الْمَجْهُول إِلَى الْمَعْلُوم، والمحاضرة المستفزة للحلوم، والدعابة الَّتِي مَا خَالع الغدار فِيهَا بالملوم. فَمَا شيت من نفس عذبة الشيم، وأخلاق كالزهر من بعد الديم، ومحاضرة تتحف الْمجَالِس والمحاضر، ومذاكرة يروق النواظر زهرها الناضر، وَله أدب ذهب فِي الإجادة كل مَذْهَب وارتدى بن البلاغة بِكُل رِدَاء مَذْهَب، وَمَعَان تراودها الخواطر فتصد وتحييها النُّفُوس فَلَا ترد، وَالْأَدب

<<  <  ج: ص:  >  >>