للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أذهن من راو المشكلات وافترعها، وصادم الغوامض فصرعها، وَله فِي علم اللِّسَان [قدم راسخة] وَفِي أَحْكَام الْمعَانِي آيَة ناسخة، وَكَانَ معرى عصره، ووارث علمه الَّذِي يعجز عَن حصره، وَله فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة ذوق، وَإِلَى تِلْكَ الْفُنُون شوق نسبته لسببه الألسن، واستقبح مِنْهُ مَا يحسن. ونظمه دون قدره، ومعانيه تكْثر عَن نفثات صَدره.

وَمن ذَلِك فِي وصف الأديب الْحَاج الرّحال أبي إِسْحَق الساحلي رَحمَه الله

جَوَاب الْآفَاق، ومحالف الرفاق، ومنفق سعر الشّعْر كل النِّفَاق، رفع بِبَلَدِهِ راية للأدب لَا تحجم وَأصْبح نَسِيج وَحده فِيمَا يسدى ويلحم، فَإِن نسب، جزى كل قلب بِمَا كسب، وَإِن مدح وقدح، من أنوار فتنته مَا قدح، حرك الجامد، ونظم نظم الجمان المحامد. وَإِن أبن أَو رثا، غبر فِي وُجُوه السوابق وحثا، وَلما أنف الكساد سوقه، وضياع حُقُوقه، أَخذ بالعزم، وَأدْخل على تعلاته عَامل الْجَزْم، وَلم يزل يسْقط على الدول سُقُوط الْغَيْث، ويحتل كناس الظبي وَغَابَ اللَّيْث، ويركض النجائب، وَيتبع الْعَجَائِب، حَتَّى استضاف بِمصْر الْكِرَام، وَشَاهد البرابي والأهرام، وَرمى بعزمته الشَّام، فاحتل ثغورها المحوطة، وَدخل دمشق وتفيأ الغوطة، ثمَّ عاجلها بالفراق، وَتوجه إِلَى الْعرَاق، فَحَيَّا بِالسَّلَامِ، مَدِينَة السَّلَام، وَأورد بالرافدين رواحله، وَرَأى الْيمن وسواحله ثمَّ عدل إِلَى الْحَقِيقَة عَن الْمجَاز، وَتوجه إِلَى مثابة الْحجاز، فاستلم الرُّكْن وَالْحجر، وزار الترب الْكَرِيم لما صدر، وتعرف بِجَمِيعِ الْوُفُود بِملك السود، فغمره بإرفاده، واستصحبه إِلَى بِلَاده، وَاسْتقر بِأول أقاليم الأَرْض، وأقصى مَا يعمر من هَذَا الْعرض، فَحل بهَا مَحل الْخمر فِي القار، والنور فِي سَواد الْأَبْصَار، وتقيد

<<  <  ج: ص:  >  >>