(رَسُول الشرق وَالْمغْرب وَإِمَام الْإِنْس وَالْملك ... )
(وعَلى بِسَاط الشّرف فَارس فرسَان الكونين ... )
(وَهُوَ فِي الْقوس الْأَعْلَى من صف الدَّعْوَى ... )
(وَدَلِيل ذَلِك أَنه قلب قاب القوسين ... )
وَيَقُول الموحد عبد الْوَاحِد بلكرامي رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح هَذِه الأبيات أَن لرسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوس الرُّتْبَة الْعليا فِي الْعِشْق الَّذِي تدل على وَصفه عَلامَة النُّبُوَّة يَعْنِي أَن توجه قلبه دَائِما لمقام (قاب قوسين) وقاب القوسين هُوَ مِقْدَار قوسين، وَقَالَ الله تَعَالَى:{فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} أَي كَانَ دنوه أقرب لقرب قاب قوسين.
وَهَذَا من جملَة المتشابهات حَتَّى يعلمهَا الْعَارِف بِنور مَعْرفَته ويصدقها الْمُؤمن الصَّادِق بعقيدته وَيهْلك الْجَاهِل الْمُنكر، كَمَا أَن أَبَا جهل ضحك وَفَرح عِنْد سَمَاعه قصَّة الْمِعْرَاج وَقَالَ، أَولا كَانَ مُحَمَّد يَقُول إِن جِبْرِيل يَأْتِيهِ من السَّمَاء وَنحن لم نصدق وَلم نعتقد أَو نؤمن، والآن لقد جَاءَنَا بِمَا هُوَ أعجب من ذَلِك أَنه ذهب لَيْلَة إِلَى السَّمَاء وَعَاد، وأعتقد أَن أحدا لن يصدق هَذَا، حَتَّى ذهب إِلَى الصّديق وَقَالَ: مَاذَا تَقول فِي حق أساطير مُحَمَّد، أَنه يَقُول إِنَّه ذهب لَيْلَة إِلَى السَّمَاء وَحكى عدَّة آلَاف حِكَايَة وَقَالَ كلَاما كثيرا وعندما انْتَهَت الرحلة عَاد فِي اللَّيْلَة ذَاتهَا، فَقَالَ الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لقد آمَنت بِمُحَمد وَبِمَا يَقُوله من الْبِدَايَة، ألم يقل إِن جِبْرِيل يتنزل عَلَيْهِ من السِّدْرَة (انْتهى) .
اعْلَم أَن الْخط الْمنصف للدائرة يُقَال لَهُ قلب ال (قاب قوسين) وَهُوَ خطّ وهمي، وَيُسمى كَذَلِك بالبرزخ ومقام التنزل الأول والحقيقة المحمدية. وَإِذا لم يكن هَذَا الْخط فِي وسط الدائرة، فَإِن الدائرة تكون سرا مخفيا، وَلَا يمتاز فِيهَا الْمُحب والمحبوب _ والعارف وَالْمَعْرُوف _ والخالق والمخلوق _ وَالْعَابِد والمعبود، كَيفَ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي التَّعَدُّد وَلَا تعود فِي تِلْكَ الْمرتبَة. (وَالْحَاصِل) أَن معنى الْبَيْت الْمَذْكُور هُوَ لما أَرَادَت الْإِرَادَة الأزلية للذات الإلهية ذَات الْجلَال وَالْعَظَمَة أَن تظهر، ظهر هَذَا الْخط فِي وسط الدائرة وَجعل نصف الدائرة للمحب وَالنّصف الآخر للمحبوب. وَالدَّلِيل على سيد الكائنات عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ هَذَا الْخط الْفَارِق فِي وسط الدائرة، والشاعر يُرِيد أَن يَنْزعهُ من وسط الدائرة حَتَّى تتوحد الدائرة ويلغي الثنائية الَّتِي أوجدها هَذَا الْخط كَذَلِك بَين