المصدري وَالْعلَّة لَيست هِيَ السُّؤَال. وَإِن كَانَ للنسبة فَمَعْنَاه الْمَنْسُوب إِلَى السُّؤَال وَالْعلَّة لَيست منسوبة إِلَى السُّؤَال حَتَّى يَصح يَاء النِّسْبَة فَإِن قلت بَيَان الْعلَّة يكون جَوَابا للسؤال عَن الْعلَّة وَالْجَوَاب مَنْسُوب إِلَى السُّؤَال فَيكون الْعلَّة أَيْضا منسوبة إِلَى السُّؤَال فَيصح يَاء النِّسْبَة قلت مُسلم أَن بَين السُّؤَال وَالْجَوَاب تعلقا شَدِيدا لَكِن كل تعلق لَا يكون منشأ للنسبة أَي لإلحاق يَاء النِّسْبَة أَلا ترى إِن أَحْمد (نكرِي) مَعَ يَاء النِّسْبَة يُقَال لمن تولد فِي أَحْمد (نكر) وَلَا يُقَال لحَاكم أَحْمد (نكر) إِنَّه أَحْمد (نكرِي) وَإِن كَانَ تعلقه بِأَحْمَد (نكر) قَوِيا من تعلق الأول بِهِ. فَلَو كَانَ منشأ النِّسْبَة هُوَ التَّعَلُّق الْقوي لما صَحَّ ذَلِك وَصَحَّ هَذَا كَيفَ والمحال أَن يكون التَّعَلُّق الضَّعِيف مُوجبا للنسبة دون التَّعَلُّق الْقوي للُزُوم الترجح بِلَا مُرَجّح. وَالْحَاصِل أَن لَيْسَ كل تعلق مُوجبا لصِحَّة النِّسْبَة وَلَا التَّعَلُّق الْقوي مُوجبا لَهَا بل لكل تعلق خُصُوصِيَّة فِي كل مَحل توجب صِحَة النِّسْبَة وَلَيْسَ للتعلق بَين السُّؤَال وَالْجَوَاب خُصُوصِيَّة مصححة للنسبة. وَلِهَذَا أَلا يُقَال أَن الْجَواب سُؤَالِي مَعَ يَاء النِّسْبَة فَافْهَم.
برهَان التطبيق: من أشهر براهين إبِْطَال التسلسل. وَهُوَ أَن يفْرض من الْمَعْلُول الْأَخير أَو من الْعلَّة الأولى إِلَى غير النِّهَايَة جملَة وَمِمَّا قبله بِوَاحِد مثلا إِلَى غير النِّهَايَة جملَة أُخْرَى ثمَّ نطبق الجملتين بِأَن نجْعَل الْجُزْء الأول من الْجُمْلَة الأولى بِإِزَاءِ الْجُزْء الأول من الْجُمْلَة الثَّانِيَة والجزء الثَّانِي من الْجُمْلَة الأولى بِإِزَاءِ الْجُزْء الثَّانِي من الْجُمْلَة الثَّانِيَة وهلم جرا. فَإِن كَانَ بِإِزَاءِ كل وَاحِد من الْجُمْلَة الأولى وَاحِد من الْجُمْلَة الثَّانِيَة كَانَ النَّاقِص كالزائد وَهُوَ محَال. وَإِن لم يكن فقد وجد فِي الْجُمْلَة الأولى مَا لَا يُوجد بإزائه شَيْء فِي الْجُمْلَة الثَّانِيَة فتنقطع الْجُمْلَة الثَّانِيَة وتتناهى وَيلْزم مِنْهُ تناهي الْجُمْلَة الأولى لِأَنَّهَا لَا تزيد على الْجُمْلَة الثَّانِيَة إِلَّا بِقدر متناه وَالزَّائِد على المتناهي بِقدر متناه يكون متناهيا بِالضَّرُورَةِ. وَلَا يخفى عَلَيْك وَجه تَسْمِيَة هَذَا الْبُرْهَان من هَذَا الْبَيَان وَإِن هَذَا الْبُرْهَان يبطل التسلسل فِي جَانِبي الْعِلَل والمعلولات المجتمعة أَو المتعاقبة أَي غير المجتمعة فِي الْوُجُود كالحركات الفلكية.
وَاعْلَم أَن الْمُتَكَلِّمين مَا اشترطوا فِي جَرَيَان برهَان التطبيق اجْتِمَاع الْأُمُور فِي الْوُجُود وَالتَّرْتِيب بَينهَا بِأَن يكون بَينهَا علية ومعلولية بل لَا بُد عِنْدهم فِيهِ من الْأُمُور الْمَوْجُودَة فِي الْجُمْلَة سَوَاء كَانَت متعاقبة أَو مجتمعة مترتبة أَو غير مترتبة. وَأما عِنْد الْحُكَمَاء فَلَا يجْرِي إِلَّا فِي الموجودات المجتمعة المترتبة لاشتراطهم الِاجْتِمَاع فِي الْوُجُود وَالتَّرْتِيب كَمَا قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى أَن الْحُكَمَاء قَالُوا إِذا كَانَ الْآحَاد مَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر مَعًا وَكَانَ بَينهَا ترَتّب فَإِذا جعل الأول من إِحْدَى الجملتين بِإِزَاءِ الأول من الْأُخْرَى كَانَ الثَّانِي بِإِزَاءِ الثَّانِي وَهَكَذَا وَيتم التطبيق وَإِذا لم تكن مَوْجُودَة مَعًا لم يتم لِأَن الْأُمُور المتعاقبة مَعْدُومَة لَا تُوجد مِنْهَا فِي