فَالْجَوَاب هَذَا لِأَن الْبَاء فيهمَا للاستعانة. قيل إِن جُزْء الشَّيْء لَا يكون آلَة لَهُ فَجعل الْبَاء للاستعانة يَقْتَضِي أَن لَا يَجْعَل التَّسْمِيَة والتحميد جزأين من الْمُبْتَدَأ باستعانتهما فليزم أَن لَا يكون أَرْبَاب التَّأْلِيف عاملين بِالْحَدِيثين حَيْثُ جعلوهما جزأين من تأليفاتهم وَالْجَوَاب أَن الْقَائِل بِأَن الْبَاء للاستعانة يلْتَزم عدم الْجُزْئِيَّة وَمن ادّعى الْجُزْئِيَّة فَعَلَيهِ الْبَيَان. وَاعْترض بِأَن جعل الْبَاء للاستعانة يُفْضِي إِلَى سوء الْأَدَب لِأَنَّهُ يلْزم حِينَئِذٍ جعل اسْم الله تَعَالَى آلَة والآلة غير مَقْصُودَة وَالْجَوَاب أَن الحكم بِكَوْن الْآلَة غير مَقْصُودَة إِن كَانَ كليا فَمَمْنُوع. كَيفَ والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسَائِل مَعَ أَن الْإِيمَان بهم والتصديق بنبوتهم مقصودان وَإِن كَانَ جزئيا فَلَا ضير لأَنا نقُول إِن هَذَا من تِلْكَ الْآلَات الْمَقْصُودَة ويناقش بِأَن الِابْتِدَاء الْحَقِيقِيّ إِنَّمَا يكون بِأول جُزْء من أَجزَاء الْبَسْمَلَة مثلا فَحمل الِابْتِدَاء على الْحَقِيقِيّ فِي أَحدهمَا غير صَحِيح فضلا عَن أَن يحمل فيهمَا عَلَيْهِ. وَالْجَوَاب أَن المُرَاد بِالِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيّ مَا يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع مَا عداهُ وبالإضافي مَا يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَعْض على قِيَاس معنى الْقصر الْحَقِيقِيّ والإضافي. والابتداء بِهَذَا الْمَعْنى لَا يُنَافِي أَن يكون بعض الْأَجْزَاء متصفا بالتقديم على الْبَعْض كَمَا أَن اتصاف الْقُرْآن بِكَوْنِهِ فِي أَعلَى مَرَاتِب البلاغة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سواهُ لَا يُنَافِي أَن يكون بعض سُورَة أبلغ من سُورَة. وَأما تَقْرِير الدّفع على تَقْدِير كَون الْبَاء للملابسة فَهُوَ أَن الِابْتِدَاء فيهمَا مَحْمُول على الْحَقِيقِيّ وَالْبَاء فيهمَا للملابسة فَإِن قيل إِن التَّلَبُّس بهما حِين الِابْتِدَاء محَال لِأَن التَّلَبُّس بهما لَا يتَصَوَّر إِلَّا بذكرهما وذكرهما مَعًا محَال. فَلَو ابْتَدَأَ حِين ذكر التَّسْمِيَة والتلبس بهَا لَا يكون متلبسا بالتحميد وَلَو عكس لَا يكون متلبسا بِالتَّسْمِيَةِ قُلْنَا إِن الملابسة مَعْنَاهَا الملاصقة والاتصال وَهُوَ عَام يَشْمَل الملاصقة بالشَّيْء على وَجه الْجُزْئِيَّة بِأَن يكون ذَلِك الشَّيْء جُزْءا لذَلِك الْأَمر ويشمل الملاصقة بِأَن يذكر الشَّيْء قبل ذَلِك الْأَمر بِدُونِ تخَلّل زمَان متوسط بَينهمَا فَيجوز أَن يَجْعَل الْحَمد جُزْءا من الْكتاب وَيذكر التَّسْمِيَة قبل الْحَمد ملاصقة بِهِ بِلَا توَسط زمَان بَينهمَا فَيكون آن الِابْتِدَاء آن تلبس الْمُبْتَدِي بهما أما التَّلَبُّس بالتحميد فَظَاهر لِأَن آن الِابْتِدَاء بِعَيْنِه آن التَّلَبُّس بالتحميد لِأَن ابْتِدَاء الْأَمر بِعَيْنِه ابْتِدَاء التَّحْمِيد لكَونه جُزْءا مِنْهُ وَإِمَّا بِالتَّسْمِيَةِ فلكونها مَذْكُورَة أَولا بِلَا توَسط زمَان. وَالْحَاصِل أَن التَّلَبُّس بأمرين ممتدين زمانيين زماني لَا بُد أَن يَقع بَين التَّلَبُّس بِالْأَمر الأول والتلبس بِالْأَمر الآخر أَمر مُشْتَرك بَينهمَا بِحَيْثُ يكون أول التَّلَبُّس بِالْآخرِ وَآخر التَّلَبُّس بِالْأولِ مجتمعان فِي ذَلِك الْأَمر الْمُشْتَرك بَينهمَا وَإِذا كَانَ التَّلَبُّس بالبسملة والحمدلة زمانيا لَا بُد أَن يَقع بَين التلبسين بهما أَمر مُشْتَرك بَينهمَا وَهُوَ الْآن الَّذِي وَقع فِيهِ بِالِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيّ. فَإِذا كَانَ الْحَمد جُزْءا من الْكتاب كَانَ الِابْتِدَاء الْحَقِيقِيّ أول حرف من الحمدلة وَهُوَ عين آن ابْتِدَاء التَّلَبُّس بالحمدلة وآن الِانْتِهَاء التَّلَبُّس بالبسملة فآن الِابْتِدَاء آن التَّلَبُّس بهما بِمَعْنى أَن آخر التَّلَبُّس بالبسملة وَأول التَّلَبُّس بالحمدلة قد اجْتمعَا فِي آن الِابْتِدَاء فَيكون آن ابْتِدَاء الْكتاب آن التَّلَبُّس بهما وَيرد على هَذَا الْجَواب أَنه لَا يجْرِي فِيمَا لَا يُمكن جعل أَحدهمَا جُزْءا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute