للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَاعْلَم أَن هَذَا هُوَ الْعقل الهيولاني وَلِهَذَا قَالُوا إِن معنى هَذَا التَّعْرِيف وَمعنى قَوْلهم إِن الْعقل غريزة يتبعهَا الْعلم بالضروريات عِنْد سَلامَة الْأَسْبَاب والآلات وَاحِد وَهَذِه الغريزة هِيَ الْمرتبَة الأولى من مَرَاتِب الْعَاقِلَة كَمَا سَيَجِيءُ، وَقيل الْعقل قُوَّة يُمَيّز بهَا الْإِنْسَان بَين الْمصَالح وَغَيرهَا الَّتِي يُشِير إِلَيْهَا الْإِنْسَان بقوله أَنا. وَفِي كتب الْأُصُول أَن الْعقل نور فِي بدن الْإِنْسَان يضيء بذلك النُّور طَرِيق يبتدأ بِهِ من حَيْثُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ دَرك الْحَواس وَالضَّمِير فِي (بِهِ) رَاجع إِلَى الطَّرِيق وَفِي (إِلَيْهِ) إِلَى حَيْثُ، وَمن هَذَا قيل بداية المعقولات نِهَايَة المحسوسات وَذَلِكَ لِأَن الْإِنْسَان إِذا أبْصر شَيْئا يَتَّضِح لِقَلْبِهِ طَرِيق الِاسْتِدْلَال بِنور الْعقل فَإِذا نظر إِلَى بِنَاء رفيع وانْتهى إِلَيْهِ بَصَره يدْرك بِنور عقله أَن لَهُ بانيا لَا محَالة ذَا حَيَاة وقدرة وَعلم إِلَى سَائِر أَوْصَافه الَّتِي لَا بُد للْبِنَاء هُنَا وَإِذا رأى إِلَى السَّمَاء وَرَأى أَحْكَامهَا ورفعتها واستنارة كواكبها وَعظم هيآتها وَسَائِر مَا فِيهَا من الْعَجَائِب والغرائب اسْتدلَّ بِنور عقله أَنه لَا بُد لَهَا من صانع قديم مُدبر حَكِيم قَادر عَظِيم حَتَّى فِي (نفحات الْأنس من حضرات الْقُدس) أَن الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن شهريار رأى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْمَنَام فَسَأَلَ يَا رَسُول الله مَا الْعقل فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أدناه ترك الدُّنْيَا وَأَعلاهُ ترك التفكر فِي ذَات الله تَعَالَى وَإِنَّمَا سمي تِلْكَ الْأُمُور عقلا لِأَنَّهَا تمنع صَاحبهَا عَن القبائح. قَالَ الْحُكَمَاء أول مَا خلق الله تَعَالَى الْعقل كَمَا ورد نَص الحَدِيث وَقَالَ بَعضهم وَجه الْجمع بَينه وَبَين الْحَدِيثين الآخرين أول مَا خلق الله تَعَالَى الْقَلَم، وَأول مَا خلق الله تَعَالَى نوري، أَن الْمَعْلُول الأول من حَيْثُ إِنَّه مُجَرّد يعقل ذَاته ومبدأ يُسمى عقلا وَمن حَيْثُ إِنَّه وَاسِطَة فِي صُدُور سَائِر الموجودات ونقوش الْعُلُوم يُسمى قَلما وَمن حَيْثُ توسطه فِي إفَاضَة أنوار النُّبُوَّة كَانَ نور سيد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

الْعقل الفعال: هُوَ الْعقل الْعَاشِر الْمعبر فِي الشَّرْع بالناموس الْأَكْبَر وجبرائيل عَلَيْهِ السَّلَام وَإِنَّمَا سمي فعالا لِكَثْرَة أَفعاله وتصرفاته فِي عَالم العناصر.

الْعقل الهيولاني: هُوَ الاستعداد الْمَحْض لإدراك المعقولات وَهُوَ قُوَّة مَحْضَة خَالِيَة عَن الْفِعْل كَمَا للأطفال وَإِنَّمَا نسبت إِلَى الهيولي لِأَن النَّفس فِي هَذِه الْمرتبَة تشبه الهيولي الأولى الخالية فِي حد ذَاتهَا عَن الصُّور كلهَا.

اعْلَم أَن للنَّفس الناطقة بِاعْتِبَار الْقُوَّة الْعَاقِلَة أَربع مَرَاتِب وَوجه ضَبطهَا أَن الشَّيْء الَّذِي من شَأْنه أَن يعقل شَيْئا، إِمَّا يعقل بِالْفِعْلِ، أَو بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَة، أَو الْبَعِيدَة فِي الْغَايَة، أَو التَّوَسُّط، وَعَلَيْك بملاحظة هَذَا الْوَجْه الْوَجِيه بعد الْإِحَاطَة بالمراتب.

فَاعْلَم أَن الْمرتبَة الأولى وَهِي أَن تكون النَّفس خَالِيَة عَن جَمِيع المعقولات البديهية والنظرية الَّتِي يكون تعقلها بالانطباع فَإِن النَّفس لَا تَخْلُو عَن الْعلم الحضوري بِنَفسِهَا فَتكون النَّفس حِينَئِذٍ مستعدة لتِلْك المعقولات تسمى هَذِه الْمرتبَة بِالْعقلِ الهيولاني

<<  <  ج: ص:  >  >>