للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اعْلَم أَنه قد جرت عَادَتهم بِأَنَّهُم إِذا قسموا الشاخص على سَبْعَة أَقسَام مُتَسَاوِيَة سموا كل قسم قدما. وَإِذا قسموا على اثْنَي عشر قسما سموا كل قسم مِنْهَا اصبعا. وَأَيْضًا الْقدَم مَا ثَبت للْعَبد فِي علم الْحق تَعَالَى من بَاب السَّعَادَة والشقاوة - وَإِن اخْتصَّ بالسعادة فَهُوَ قدم الصدْق أَو بالشقاوة فَقدم الخسار وبالكسر عدم مسبوقية الْوُجُود بِالْعدمِ وَهُوَ على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا:

الْقدَم الذاتي: وَهُوَ كَون الشَّيْء غير مُحْتَاج فِي وجوده إِلَى الْغَيْر وَهُوَ منحصر فِي ذَاته تَعَالَى ويقابله الْحُدُوث الذاتي. وَثَانِيهمَا:

الْقدَم الزماني: وَهُوَ كَون الشَّيْء غير مَسْبُوق بِالْعدمِ ويقابله الْحُدُوث الزماني فعلى هَذَا.

الْقَدِيم بِالذَّاتِ: هُوَ الْمَوْجُود الَّذِي لَا يكون وجوده من غَيره وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ لَا غير ويقابله الْمُحدث بِالذَّاتِ وَهُوَ الَّذِي يكون وجود من غَيره. وَهَا هُنَا مغالطة مَشْهُورَة وَهِي أَنه لَا قديم فِي نفس الْأَمر لِأَن الْوَاجِب تَعَالَى مَحل الْحَوَادِث وكل مَا هُوَ كَذَلِك فَهُوَ حَادث فَالله تَعَالَى حَادث - وَإِذا ثَبت حُدُوثه ثَبت حُدُوث سَائِر الْأَشْيَاء - أما الصُّغْرَى فَلِأَن صُدُور زيد فِي هَذَا الْوَقْت عَن الْوَاجِب تَعَالَى سَوَاء كَانَ بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَار أَو بِالْإِيجَابِ يسْتَلْزم اتصافه تَعَالَى بِأَمْر حَادث وَهُوَ كَونه موجدا لزيد. وَلَا شكّ أَن الإيجاد قَائِم بالموجد فَيلْزم كَونه تَعَالَى محلا للحوادث - وَأما الْكُبْرَى فَهُوَ مَشْهُور برهن عَلَيْهِ فِي مَوْضِعه - وَإِنَّمَا قُلْنَا إِذا ثَبت حُدُوثه ثَبت حُدُوث غَيره لِأَن القدماء الَّذين هم غَيره تَعَالَى إِمَّا صِفَاته أَو معلولاته - وَلَا شكّ أَن حُدُوث الْمَوْصُوف أَو الْعلَّة يسْتَلْزم حُدُوث الصّفة أَو الْمَعْلُول - وحلها أَن الْحَادِث هُوَ تعلق إِرَادَته تَعَالَى بِوُجُود زيد لَا نفس الإيجاد وَصفته تَعَالَى هُوَ الثَّانِي الْقَدِيم لَا الأول الْحَادِث - وَمَا قيل من أَن تعلق الإيجاد صفة للإيجاد فَيلْزم حُدُوث الإيجاد إِذْ مَحل الْحَادِث حَادث فَيَعُود الْمَحْذُور مَرْدُود بِأَن التَّعَلُّق لَيْسَ بحادث إِذْ معنى الْحُدُوث هُوَ مسبوقية الْمَوْجُود بِالْعدمِ والتعلق لَيْسَ بموجود لِأَنَّهُ أَمر اعتباري.

الْقَدِيم بِالزَّمَانِ: هُوَ الْمَوْجُود الَّذِي لَا يكون وجوده مَسْبُوقا بِالْعدمِ كالعقول والأفلاك مثلا عِنْد الْحُكَمَاء ويقابله الْمُحدث بِالزَّمَانِ وَهُوَ الَّذِي سبق عَدمه على وجوده سبقا زمانيا - وَاعْلَم أَن بَين الْقَدِيم بِالذَّاتِ وَالْقَدِيم بِالزَّمَانِ عُمُوما وخصوصا مُطلقًا - فَإِن كل قديم بِالذَّاتِ قديم بِالزَّمَانِ وَلَيْسَ كل قديم بِالزَّمَانِ قديم بِالذَّاتِ فَيكون الْمُحدث بِالذَّاتِ أَعم من الْمُحدث بِالزَّمَانِ لِأَن مُقَابل الْأَخَص يكون أَعم من مُقَابل الْأَعَمّ ونقيض الْأَعَمّ من شَيْء مُطلقًا يكون أخص من نقيض الْأَخَص.

الْقدَم يُنَافِي الْعَدَم: أَي كل مَا كَانَ قَدِيما لَا يُمكن طريان الْعَدَم عَلَيْهِ لِأَن

<<  <  ج: ص:  >  >>