يعرج معارجه. وَالْعقل لَا يصعد مدارجه. السُّكُوت فِي معرض بَيَانه أولى. الْعَجز فِي مضمار تبيانه أَحْرَى لَكِن لما لم يُنَاسب أَن تَخْلُو هَذِه الحديقة الْعليا من أَشجَار ذكره. وَهَذِه الرَّوْضَة الرعنا من أثمار فكره. أَقُول معتصما بِاللَّه أَن الحكم على الشَّيْء مَسْبُوق عَن مَعْرفَته فَلَا بُد من معرفَة الْوُجُود أَولا.
فَاعْلَم أَن فِي تَعْرِيفه ثَلَاثَة مَذَاهِب: الأول: أَنه بديهي التَّصَوُّر فَلَا يجوز أَن يعرف إِلَّا تعريفا لفظيا. وَالثَّانِي: أَنه كسبي يُمكن أَن يعرف. وَالثَّالِث: أَنه كسبي لَا يتَصَوَّر أصلا وَمن ادّعى أَنه بديهي التَّصَوُّر فدعواه إِمَّا بديهي جلي فَلَا احْتِيَاج إِلَى الْإِثْبَات بِالدَّلِيلِ أَو التَّنْبِيه أصلا أَو خَفِي فَلَا بُد من التَّنْبِيه أَو كسبي فَلَا بُد من الدَّلِيل بِأَن الْوُجُود الْمُطلق جُزْء وجودي لِأَن الْمُطلق جُزْء للمقيد بِالضَّرُورَةِ وَالْعلم بِوُجُود الْمُقَيد بديهي لِأَن من لَا يقدر على الْكسْب حَتَّى البله وَالصبيان يعلم وجوده فَيكون الْوُجُود الْمُطلق بديهيا لِأَن مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ البديهي بديهي وَفِيه نظر مَشْهُور بِأَنا لَا نسلم أَن الْعلم لوُجُود الْمُقَيد بالكنه بديهي - وَإِن سلمنَا فَلَا نسلم أَن الْمُطلق جُزْء مِنْهُ إِذْ تصَوره جُزْء من تصَوره لِأَن الْوُجُود الْمُطلق يَقع على الموجودات وُقُوع الْعَارِض على المعروض وَلَيْسَ الْعَارِض جُزْء للمعروض وَمن يَقُول إِنَّه كسبي يُمكن تَعْرِيفه يسْتَدلّ بِوَجْهَيْنِ: الأول: أَنه إِمَّا نفس الْمَاهِيّة كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ فَلَا يكون بديهيا كالماهيات فَإِنَّهُ لَيْسَ كنه شَيْء مِنْهَا بديهيا عِنْده إِنَّمَا البديهي بعض وجوهها. وَإِمَّا زَائِد على الماهيات كَمَا هُوَ مَذْهَب غير الْأَشْعَرِيّ فَيكون حِينَئِذٍ من عوارض الماهيات فيعقل الْوُجُود تبعا لَهَا لِأَن الْعَارِض لَا يسْتَقلّ بالمفهومية لَكِن الماهيات لَيست بديهية فَلَا يكون الْوُجُود بديهيا أَيْضا لِأَن التَّابِع للكسبي أولى بِأَن يكون كسبيا.
وَالْجَوَاب لَا نسلم أَنه إِذا كَانَ عارضا للماهية يعقل تبعا لَهَا إِذْ قد يتَصَوَّر مَفْهُوم الْعَارِض بِدُونِ مُلَاحظَة معروضة كَذَا فِي شرح المواقف. أَقُول إِن قَوْله لِأَن التَّابِع للكسبي أولى بِأَن يكون كسبيا أَيْضا مَمْنُوع كَيفَ فَإِن الكسبي مَا يكون حُصُوله مَوْقُوفا على النّظر وَالْكَسْب لَا مَا يكون تَابعا للكسبي لجَوَاز أَن يكون بديهيا فِي نَفسه عارضا للكسبي وَمن يَقُول إِنَّه كسبي لَا يتَصَوَّر أصلا بل هُوَ مُمْتَنع التَّصَوُّر اسْتدلَّ بِأَن التَّصَوُّر حُصُول الْمَاهِيّة فِي النَّفس أَي الْمَاهِيّة الْحَاصِلَة فِيهَا فَيحصل مَاهِيَّة الْوُجُود فِيهَا على تَقْدِير كَونه متصورا وللنفس وجود آخر وَإِلَّا امْتنع أَن يتَصَوَّر شَيْئا فيجتمع فِي النَّفس مثلان أَي وجودهَا وَوُجُود المتصور فِيهَا واجتماع المثلين فِي مَحل وَاحِد محَال لِأَن المثلين متحدان فِي الْمَاهِيّة فَلَو اجْتمعَا فِي مَحل وَاحِد لاتحدا بِحَسب الْعَوَارِض الْحَاصِلَة بِسَبَب حلولهما فِي الْمحل أَيْضا وَهُوَ محَال لَا محَالة وَفِيه مَا فِيهِ كَمَا لَا يخفى.
وَالْجَوَاب إِن مَا ذكرْتُمْ من أَن التَّصَوُّر حُصُول الْمَاهِيّة فِي النَّفس قَول بالوجود
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute