ابن حبان والبيهقي وصححه ابن حزم والنووي فوجب علينا أن نقتصر على هذا المقدار ونتم بعد ذلك ولله در الحبر ابن عباس ما أفقهه وأفهمه للمقاصد الشرعية فإنه قال: فيما رواه عنه البخاري وغيره "لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة أقام فيها تسع عشرة ليلة يصلي ركعتين" قال: فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة قصرنا وإن زدنا أتممنا وأقول هذا هو الفقه الدقيق والنظر المبني على أبلغ تحقيق ولو قال: له جابر أقمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة نقصر الصلاة لقال: بموجب ذلك وفي المسألة مذاهب هذا أرجحها لدي.
وأما كونه إذا عزم على إقامته أربع أتم بعدها فوجهه ما عرفناك من أن المقيم لا يعامل معاملة المسافر إلا على الحد الذي ثبت عن الشارع ويجب الاقتصار عليه وقد ثبت عنه مع التردد ما قدمنا ذكره أما مع عدم التردد بل العزم على إقامة أيام معينة فالواجب الاقتصار على ما اقتصر عليه صلى الله عليه وسلم مع عزمه على الإقامة في أيام الحج فإنه ثبت في الصحيحين "٠أنه قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى فلما أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة أربعة أيام يقصر الصلاة مع كونه لا يفعل ذلك إلا عازما على الإقامة إلى أن يعمل أعمال الحج كان ذلك دليلا على أن العازم على إقامته مدة معينة يقصر إلى تمام أربعة أيام ثم يتم وليس ذلك لأجل كونه صلى الله عليه وسلم لو أقام زيادة على الأربع لأتم فإنا لا نعلم ذلك لكن وجهه ما قدمنا من أن المقيم العازم على إقامة معينة لا يقصر إلا بإذن كما أن المتردد كذلك ولم يأت الإذن بزيادة على ذلك ولا ثبت عن الشارع غيره واعلم أن هذه الثلاثة الأبحاث المذكورة في هذا الباب هي من المعارك التي تتبلد عندها الأذهان وقد اضطربت فيها المذاهب اضطرابا شديدا وتباينت فيها الأنظار تباينا زائدا١.
وأما كون للمسافر الجمع تقديما وتأخيرا بأذان وإقامتين فوجهه ما ثبت في
١ أرى: هذا الذي رجحه شيخنا أبقاه الله أقوى المذاهب والله أعلم. هـ. لمحرره.