للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: وفيما عدا ذلك خلاف والأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه ما يساويه أو يقدم عليه.

أقول: أعلم أن كون الأصل الطهارة معلوم من كليات الشريعة المطهرة وجزئياتها ولا ريب أن الحكم بنجاسة شيء يستلزم تكليف العباد بحكم والأصل البراءة من ذلك ولاسيما من الأمور التي تعم بها البلوى وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السكوت١ عن الأمور التي سكت الله عنها وأنها عفو فما لم يرد فيه شيء من الأدلة الدالة على نجاسته فليس لأحد من عباد الله أن يحكم بنجاسته بمجرد رأى فاسد أو غلظ في الاستدلال كما يدعيه بعض أهل العلم من نجاسة ما حرمه الله زاعما أن النجاسة والتحريم متلازمان وهذا الزعم من أبطل الباطلات فالتحريم للشيء لا يدل على نجاسته بمطابقة ولا تضمن ولا التزام فتحريم الخمر والميتة والدم لا يدل على نجاسة ذلك وكأن الشارع قد علم وقوع مثل هذا الغلط لبعض أمته فأرشدهم إلى ما يدفعه قائلا "إنما حرم من الميتة أكلها" ولو كان مجرد تحريم شيء مستلزما لنجاسته لكان قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:٢٣] إلى آخره دليلا على نجاسة النساء المذكورات في الآية والمسلم لا ينجس حيا ولا ميتا كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح وهكذا يلزم نجاسة أعيان وقع التصريح بتحريمها وهي طاهرة بالاتفاق كالأنصاب والأزلام وما يسكر من النباتات والثمرات بأصل الخلقة.

فإن قلت: إذا كان التصريح بنجاسة شيء أو رجسيته أو ركسيته يدل على


١أخرج الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في السنن عن ثعلبة الخشني "رضي" يرفعه: "إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها. وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تقربوها وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تتكلفوها". قال ابن القيم في أعلام الموقعين: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن كثير غير نسيان رحمة لكم فاقبلوها". من خط محمد العمراني سلمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>