للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ثبت في مسلم من حديث وائل ابن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: للكندي "ألك بينة" قال: لا قال: "فلك يمينه" فقال: يا رسول الله الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع من شيء فقال: "ليس لك منه إلا ذلك".

وأما كونه يجوز الحكم بيمين الرد فلأن من عليه الحق قد رضي بها سواء قلنا أنها تجب على المدعي عند ردها من المنكر أم لا وقد استدل من لم يجعلها مستندا بمفهوم الحصر في قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن اليمين على المدعى عليه" كما في بعض ألفاظ حديث ابن عباس عند مسلم وغيره ولقوله في حديث وائل: "ليس لك منه إلا ذلك" ولكن هذا إنما يفيد أنها لا تجب على المدعي إذا ردها المنكر وأما أنه يفيد عدم جواز الحكم بيمين الرد إذا طلبها المنكر ورضي بها وقبل ذلك المدعي فحلف فلا. وأما ما رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق فلو صح لكان صالحا لتخصيص ما تقدم ولكن في إسناده محمد ابن مسروق وهو غير معروف وفي إسناده إسحاق بن الفرات وفيه مقال: وقد أشار القرآن الكريم إلى رد اليمين في قوله تعالى: {أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة:١٠٨] ولكن فيه احتمال إذ يمكن أن يكون المراد برد اليمين عدم قبولها.

وأما النكول فلا يجوز الحكم به لأن غاية ما فيه أن من عليه اليمين بحكم الشرع لم يقبلها ويفعلها وعدم فعله لها ليس بإقرار بالحق بل ترك لما جعله الشارع عليه بقوله: ولكن اليمين على المدعى عليه فعلى القاضي أن يلزمه بعد النكول عن اليمين بأحد أمرين إما اليمين التي نكل عنها أو الإقرار بما ادعا المدعي وأيهما وقع كان صالحا للحكم به كما مر.

وأما كونه يجوز له الحكم بعلمه فلأن ذلك من العدل والحق اللذين أمره الله بالحكم بهما وليس في الأدلة ما يدل على المنع من ذلك وحديث "شاهداك أو يمينه" لا حصر فيه ومما يؤيد جواز الحكم بعلم الحاكم ما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم للمدعي "ألك بينة"؟ فإن البينة ما يتبين به الأمر وليس بعد العلم بيان بل هو أعلى أنواع البيان فإنه لا يحصل من سائر المستندات للحكم إلا مجرد الظن بأن

<<  <  ج: ص:  >  >>