للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنبل ولا أدري هل تصح هذه الرواية أم لا فإن مذاهب هؤلاء مدونة في كتب أتباعهم من أراد الوقوف عليها راجعها واحتج أهل هذا المذهب بمثل قوله: تعالى {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:٥] وبخبر الاستيقاظ وخبر الولوغ وأحاديث النهي عن البول في الماء الدائم وهي جميعها في الصحيح ولكنها لا تدل على المطلوب ولو فرضنا أن لشيء منها دلالة بوجه ما كان ما أفادته تلك الدلالة مقيدا بما تقدم لأن التعبد إنما هو بالظنون الواقعة على الوجه المطابق للشرع على أنه لا يبعد أن يقال: إن العاقل لا يظن استعمال النجاسة باستعمال الماء إلا إذا خالطت الماء بجرمها أو بريحها أو بلونها أو بطعمها مخالطة ظاهرة توجب ذلك الظن ولاشك ولا ريب أن ما كان من الماء على هذه الصفة نجس لأن المخالطة إن كانت بالجرم فالمتوضئ مستعمل لعين النجاسة وإن كانت المخالطة بالريح أو اللون أو الطعم فلا مخالفة بين هذا المذهب وذلك المذهب الذي رجحناه.

والحاصل أنهم إن أرادوا بقولهم: إن ظن استعمال النجاسة باستعماله فهو القليل وإن لم يظن فهو الكثير ما هو أعلم من بين النجاسة وريحها ولونها وطعمها فلا مخالفة بين هذا المذهب وذلك المذهب الذي رجحناه إلا من جهة أن هؤلاء اعتبروا المظنة وأهل المذهب الأول اعتبروا المئنة ولكن لا يخفي أن المظنة إذا كانت هي الصادرة من غير أهل الوسوسة والشكوك فهي لا تكاد تخالف المئنة في مثل هذا الموضع وإن أرادوا استعمال العين فقط وعدم استعمال العين فقط فهو مذهب مستقل غير ذلك المذهب ولكن الظاهر أنهم أرادوا المعنى الأول ويدل على ذلك أنه قد وقع الإجماع على أن ما غير لون الماء أو ريحه أو طعمه من النجاسات أوجب تنجيسه كما تقدم تقريره فأهل هذا المذهب من جملة القائلين بذلك لدخولهم في الإجماع بل هو مصرح بحكاية الإجماع في البحر كما تقدم فتقرر بهذا أنهم يردون المعنى الأول أعنى الأعم من العين والريح واللون والطعم ثبوتا وانتفاء وحينئذ فلا مخالفة بين المذهبين لأن أهل المذهب الأول لا يخالفون في أن استعمال المطهر لعين النجاسة مع الماء

<<  <  ج: ص:  >  >>