وأقول: أما اعتبار ذلك في الجمع بين المذاهب فهو بعيد وكيف لا؟ ومن يقول بنجاسة ما دون القلتين لا يعتبر التغير، ومن يقول بالظن فهو يقول: كل موكول إلى ظنه، اللهم إلا أن يقول: يلزمه ذلك. لأنه لا يحصل الظن إلا مع التغير، وأما الجمع بين الأدلة بما ذكر فقد سبقه إليه القاضي حسين بن ناصر المهلا في الجمع بين حديث القلتين والزيادة في حديث "إلا ما غير"، والمقبلي في حمله اعتبار ظن استعمال النجاسة على التغير وتلازمهما، ولكن لم يقرر ذلك المؤلف على ما ينبغي. وقد رأيت تقريره على ما تقرر لي فأقول في تقريره: إن حديث القلتين محمول على أنه خرج مخرج الأغلب فيما يتغير وما لا يتغير، وأن المراد به أن الغالب على النجاسة أنها إن وردت على ما هو دون القلتين من الماء غيرته إلى وصفها فيحمل الخبث وإن وردت على قدر قلتين فصاعدا لم تغيره ولم يحمل الخبث بذلك فيكون ارجاعا إلى التغير وعدمه، ولا يخفى أن هذا إن كان فيما ورد في سبب الحديث فقط وهو ماء الفلاة وما ينوبه من نجاسة السباع فهو قريب في أغلبية ذلك فيما يستنقع من ماء المطر فيها وفيما تلقى السباع فيه، ولكن فيه نظر للعموم على السبب. وفيه خلاف فيما كان جواب سؤال، وأيضا يكون كالمظنة لربط التغير بما دون القلتين. وفي حديث القلتين من الاحتمال في المعنى ما لا يصلح أن يكون مظنة لاختلاف العلامات وغموض معنى حمل الخبث وبتردد هل بلغ الماء قلتين؟ يعني في زيادة أو نقصان مع كزن التغير إلى الوصف ظاهر لا يحتاج إلى بيان مظنة. ولهذا كان الرد إليه أرجح من تخصيص عموم قوله: "لا ينجسه شيء". بالمفهوم المذكور لضعفه واحتماله. وأما أدلة القائل بإعمال الظن في المنع مما تستعمل النجاسة باستعمال نحو قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:٥] وحديثي الاستيقاظ والولوغ في المنع عما لابسته لقلته، لكونه في إناء، والنهي عن البول في الماء الدائم، فرد هذا إلى أنه حيث تغير الماء فيه بعض الخفاء، ولكن يقال أيضا ليس بلازم فيها ما ذكرتم من ظن استعمال النجاسة باستعماله، فالأظهر فيها أن النهي للتعبد ونقول: إن الظن الممنوع فيه=