للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَانِتِينَ} [البقرة:٢٣٨] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وهكذا حديث ابن مسعود في الصحيحين وغيرهما بلفظ "إن في الصلاة لشغلا" وفي رواية لأحمد والنسائي وأبي داود وابن حبان في صحيحه "إن الله يحدث من أمره ما يشاء وأنه قد أحدث من أمره أن لا نتكلم في الصلاة" ولا خلاف بين أهل العلم أن من تكلم عامدا عالما فسدت صلاته وإنما الخلاف في كلام الساهي ومن لم يعلم بأنه ممنوع فأما من لم يعلم فظاهر حديث معاوية بن الحكم السلمي الثابت في الصحيح أنه لا يعيد وقد كان شأنه صلى الله عليه وسلم أن لا يحرج على الجاهل ولا يأمره بالقضاء في غالب الأحوال بل يقتصر على تعليمه وعلى إخباره بعدم جواز ما وقع منه وقد يأمره بالإعادة كما في حديث المسيء١ وأما كلام الساهي والناسي فالظاهر أنه لا فرق بينه٢ وبين العامد العالم في إبطال الصلاة.

وأما بطلان الصلاة بالاشتغال بما ليس منها فذلك مقيد بأن يخرج به المصلي عن هئية الصلاة كمن يشتغل مثلا بخايطة أو نجارة أو مشي كثير أو التفات طويل أو نحو ذلك وسبب بطلانها بذلك أن الهيئة المطلوبة من المصلى قد


١ قد يقال: إن المسيء قد بين الشارع وجه أمره بالإعادة، وهو قوله: "فإنك لم تصلي" فقد نفاها الشارع ولم يعتد بها، بخلاف من استكمل واجبات الصلاة، وفعل فيها ما يبطلها جاهلا، كا الكلام. وحديث معاوية بن الحكم في عدم أمره له بالإعادة دليل على أن من فعل المبطل جاهلا فهو معذور لجهله. وحديث المسيء مبين فيه "إنه لم يصل"، فعلم منه أن من صلى على غير الوجه الشرعي لا يعتد بصلاته ولا يجتزئ بها وإن كان جاهلا. فلا تتفق صورتا الجهل في هذين الحديثين. فلا وجه للجمع بينهما. إذ حديث المسيء فيمن جهل ماهية الصلاة، وحديث ابن الحكم فيمن جهل ما هو من الممنوع فيها. والشارع اعتبر الجهل في هذا ولم يعتبره في الأول. وبهذا يزول الاشتباه في حديثي المسيء ومعاوية بن الحكم. والله أعلم لمحرره.
٢ يرده حديث ذي اليدين الثابت في الصحيح، ففيه: "أنه تكلم صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وذو اليدين، ثم أتموا الصلاة" وكلام العلماء في تخريج وجهه معروف يطلب من محله. من خط محمد العمراني سلمه الله.
ولعل تخريجه بأنه كلام الجاهل أقرب وأولى من جعله كلام الناسي. هـ. من خط العلامة الحسن بن يحيى رحمه الله.
وفيه: أنه كيف يصح تخريج كلام النبي صلى الله عليه وسلم على كلام الجاهل؟ تأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>