للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فودع سليمةَ إنَّ الفؤادَ ... غداً عن زيارتها أجنبُ

وما رحتُ حتى تولى النهارُ ... وقال صحابي ألا تركبُ

فرحتُ وفي الصدرِ من بينها ... كصدعِ الزجاجةٍ لا يشعبُ

فويلُ امها خلةً لو تدومُ ... على ما تقولُ ولا تكذبُ

ولكنَّ أكثرَ موعودها ... كبرقٍ ألاحَ بهِ الخلبُ

من البيضِ لم توذِ جاراتها ... ولم يك فيهم لنا نيربُ

ولم يفزعِ الحيُّ من صوتها ... أمامَ بيوتهم تصخبُ

قطوفٌ تهادى إذا أعنقت ... كما يطأُ الموعثَ المتعبُ

كأنَّ علالةَ أنيابها ... شمولٌ بماءِ الصفا تقطبُ

كميتٌ لسورتها نفحةٌ ... كرائحةِ المسكِ أو أطيبُ

تزيدُ الجوادَ إلى جوده ... ويفترُ عنها وما ينصبُ

وتصعدُ لذتها في العظامِ ... إذا خالطت عقلَ من يشربُ

وقد جلبت لكَ من أرضها ... سليمةُ والوصلُ قد يجلبُ

على حينَ ولى مراحُ الشبابِ ... وكادت صبابتهُ تذهبُ

فلما رأت أنَّ في صدرهِ ... من الوجدِ فوقَ الذي يحسبُ

أدلت لتقتلهُ بالعتابِ ... فكادَ على عقلهِ يغلبُ

ونحنُ على نزواتِ العتابِ ... كلانا بصاحبهِ معجبُ

إذا جئتُ قالت تجنبننا ... وكيفَ زيادةُ من يرقبُ

بهجرِ سليمة مرَّ السنيحُ ... فلم تدرِ ما قالَ إذ ينعبُ

وماذا عليكَ إذا فارقت ... أصاحَ الغرابُ أمِ الثعلبُ

فيا حاجةَ القلب لما استوى ... ظلاماً بأحداجها المنقبُ

وأدلجتِ الشمسُ يحدُ القطينُ ... بها ليلةَ اندفعَ الموكبُ

يضيءُ سناها رقاقَ الثيابِ ... فلا الوجهُ أحوى ولا مغربُ

سرت بالسعودِ إلى أن بدا ... لها القاعُ فالحزمُ فالمذنبُ

فما درةٌ تتوافى التجارُ ... إلى غايصٍ عندهُ تطلبُ

رمى صدفيها بأجرامهِ ... كما انقضَّ بازلهُ مرقبُ

بأحسنَ منها ولا مغزلٌ ... أطاعَ لها المكرُ والحلبُ

بسفحٍ مجودٍ ولاهُ الخريفُ ... منَ الدلوِ ساريةٌ تهضبُ

وظلماءَ جشمتنا سيرها ... ولم يبدُ فيها لنا كوكبُ

وهاجرةٍ صادقٍ حرها ... تكادُ الثيابُ بها تلهبُ

كأنَّ الحرابيَّ من شمسها ... تلوحُ بالنارِ أو تصلبُ

ورقاصةِ الآلِ فوقَ الحدابِ ... يظلُّ السرابُ بها يلعبُ

وتحتَ قتوديَ زيافةٌ ... خنوفٌ إذا صخبَ الجندبُ

جماليةُ الخلقِ مضبورةٌ ... على مثلها يقطعُ السبسبُ

وخودٌ إذا القومُ قالوا ارفعوا ... ضربنَ وجالت وما تضربُ

كأنَّ قتودي وأنساعها ... تضمنهنَّ وأي أحقبُ

مرنٌّ يحاذرُ روعاتهِ ... سماحيجُ مثلُ القنا شزبُ

إذا امتنعت بعدَ أطهارها ... فلا الطوعَ تعطي ولا تغضبُ

رعى ورعينَ حديقَ الرياضِ ... إلى أن تجرمتِ العقربُ

وهاجت بوارحُ ذكرنهُ ... مناهلَ كانَ بها يشربُ

فظلت إلى الشمسِ خوصَ العيونِ ... تناجي أيخفضُ أمِ يقربُ

فبيتنَ عيناً من الجمجمانِ ... تنازعها طرقٌ نيسبُ

بها ساهرُ الليلِ عاري العظامِ ... عرى لحمهُ أنهُ يدأبُ

قليلُ السوامِ سوى نبلهِ ... وقوسٌ لها وترٌ مجذبُ

فلما شرعنَ رمى واتقى ... بسهمٍ ثنى حدهُ الأثأبُ

فحصنَ فثارَ على رأسهِ ... من القاعِ معتبطٌ أصهبُ

فكادَ بحسرةِ ما فاتهُ ... يجنُّ من الوجدِ أو يكلبُ

فإن يكُ لوني علاهُ الشحوبَ ... فإنَّ أخا الهمِّ من يشحبُ

وقد عجمتني شدادُ الأمورِ ... فلا أستكينُ إذا أنكبُ

لئن أبدتِ الحربُ أنيابها ... وقامَ لها ذائدٌ مرهبُ

وما زالَ عندي ذو هيئةِ ... حسامٌ أصولُ بهِ مقضبُ

من القلعياتِ لا محدثٌ ... كليلٌ ولا طبعٌ أجربُ

تلذُّ اليمينُ انتضاءً بهِ ... إذا الغمدُ عن متنهِ يسلبُ

أعاذلَ إني رأيتُ الفتى ... إذا ماتَ بالبخلِ لا يندبُ

ولو كنتُ قطبةَ أو مثلهُ ... ذممتُ ولم يبقَ ما أكسبُ

تراهُ يحارشُ أصحابهُ ... قياماً كما احترشَ الأكلبُ

على معظمٍ أيهم نالهُ ... فذلكِ فيهم هو المتربُ

<<  <   >  >>