وقال الشمردل أيضاً يرثى أخاه وائلاً:
لعمري لإن غالت أخي دارُ فرقةٍ ... وآبَ إلينا سيفهُ ورواحلهْ
وحلت بهِ أثقالنا الأرضُ وانتهى ... بمثواهُ منها وهو عفٌّ منازلهْ
لقد ضمنت جلدَ التقى كان يتقى ... بهِ جانبُ الثغرِ المخوفِ زلازلهْ
وصولٌ إذا استغنى وإن كانَ مقتراً ... من المالِ لم يحفِ الصديقَ مسايلهْ
هضومٌ لأيتامِ الشتاءِ كأنما ... يراهُ الحيا أيتامهُ وأراملهْ
رخيصُ نضيج القدرِ يغلي بنيئهِ ... إذا بردت عندَ الصلاءِ أناملهْ
أقولُ وقد رجمتُ عنهُ وأسرعت ... إليَّ بأخبارِ اليقين محاصلهْ
إلى اللهِ أشكو لا إلى الناسِ فقدهُ ... ولوعةَ حزنٍ أوجعَ القلبَ داخلهْ
وتحقيقَ رؤيا في المنامِ رأيتها ... فكانَ أخي رمحي ترفضَ عاملهْ
سقى جدثاً أعرافُ غمرةَ دونهُ ... بهضبةَ كتمانِ الربيعِ ووابلهْ
بمثوى غريبٍ ليسَ منا مزارهُ ... بدانٍ ولاذو الودِّ منا يواصلهْ
إذا ما أتى يومٌ من الدهرِ بيننا ... فحياكَ عنا شرقهُ وأصائلهْ
وكلُّ سنا صبحٍ أضاءَ ومغربٍ ... من الشمسِ وافى جنحَ ليلٍ أوائلهْ
تحيةَ من أدى الرسالةَ حييت ... إلينا ولم ترجع بشيءٍ رسائلهْ
أبى الصبرُ أنَّ العينَ بعدك لم يزل ... يخالطُ جفنيها قذى ما تزايلهْ
تبرضَ بعدَ الجهدِ من عبراتها ... بقيةُ دمعٍ شجوها لكَ باذلهْ
وكنتُ أعيرُ الدمعَ قبلك من بكى ... فأنت على من ماتَ بعدك شاغلهْ
تذكرني هيفُ الجنوبِ ومنتهى ... نسيم الصبا رميساً عليهِ جنادلهْ
وهاتفةٌ فوقَ الغصونِ تفجعت ... لفقدِ حمامٍ أفردتها حبائلهْ
منَ الورقِ بالأصيافِ نواحةُ الضحى ... إذا الغرقدُ التفت عليهِ غياطلهْ
وسورةُ أيدي القومِ إذ حلتِ الحبى ... حبى الشيبِ واستعوى أخا الحلم جاهلهْ
فعينيَّ إذ أبكاكما الدهرُ فابكيا ... لمن نصرهُ قد بانَ عنا ونائلهْ
وإن ما نحت عينا حزينٍ فما نحا ... عليهِ لبذلٍ أو لخصمٍ يجادلهْ
أخي لا بخيلٌ في الحياةِ بمالهِ ... عليَّ ولا مستبطأ الفرضِ خاذلهْ
أقامَ حميداً بينَ تثليثَ دارهُ ... وبيشةَ لا يبعد أخي وشمائلهْ
وتهجيرهُ بالقومِ بعدَ كلالهم ... إذا اجلوذَ الخمسَ البعيدَ مناهلهْ
على مثل جونيِّ العطاشِ من القطا ... تجاهدَ لما أفزعتهُ أجادلهْ
وشعثٍ يظنونَ الظنونَ سما بهم ... لنائي الصوى يثني الضعيفَ تهاولهْ
بخرقٍ من الموماةِ قودٍ رعانهُ ... يكادُ إذا أضحى تجولُ مواثلهْ
تشبهُ حسراهُ القراقيرَ يرتمي ... بها ذو حدابٍ يضربُ البيدَ ساحلهْ
إذا النشزُ فوقَ الآلِ ظل كأنهُ ... قرى فرسٍ يغشى الآجلة كاهلهْ
وسدمٍ سقى منها الخوامسَ بعدما ... ضرحنَ الحصى حتى توقدَ جائلهْ
إذا استعبرت عوذُ النساءِ وشمرت ... مآزرَ يومٍ لا توارى خلاخلهْ
وثقنَ بهِ عندَ الحفيظةِ فارعوى ... إلى صوتهِ جاراتهُ وحلائلهْ
إلى ذائدٍ في الحربِ لم يكُ خاملاً ... إذا عاذَ بالسيفِ المجردِ حاملهْ
كما ذادَ عن عريسةِ الغيلِ مخدرٌ ... يخافُ الردى ركبانهُ وأراجلهْ
فما كنتُ أرى لامرئٍ عندَ موطنٍ ... أخاً بأخي لو كانَ حياً أبادلهْ
وكنتُ بهِ أخشى القتالَ فعزني ... عليهِ من المقدارِ ما لا أقاتلهْ
لعمركَ إنَّ الموتَ منا لمولعٌ ... بمن كان يرجى نفعهُ ونوافلهْ
فما البعدُ إلاَّ أننا بعدَ صحبةٍ ... كأن لم نبايت وائلاً ونقابلهْ
سقى الضفراتِ الغيثُ ما كانَ ثاوياً ... بهنَّ وجادت تستهلُّ هواطلهْ
وما بي حبَّ الأرضِ إلاَّ جوارها ... صداهُ وقولٌ ظنَّ أني قائلهْ
وقال الشمردل أيضاً:
إنَّ الخليطَ أجدَّ منكَ بكورا ... وترى المحاذرَ بالفراقِ جديرا
صرموا حبالكَ فاتضعتِ لحاجةٍ ... تبكي الحزينَ وتترحُ المحبورا
بالقنفذين غداةَ لو كلمتنا ... دهقانُ ما كتمَ الفؤادُ ضميرا
لما تخايلَ غدوةً أترابها ... رفعنَ فوقَ ذرى الجمالِ خدورا