للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حنينٌ إلى ألاّفهنّ وقدْ بدا ... لهنَّ من الشَّكِّ الغداةَ يقينُ

وهاجَ الهوى أظعانُ عزَّةَ عدَوةً ... وقدْ جعلتْ أقرانُهُنَّ تبينُ

فلمّا استقلَّتْ عنْ مناخٍ جمالُها ... وأسفرنَ بالأحمالِ قلتُ سفينُ

تأطّرنَ في الميثاءِ ثمَّ تركنَهُ ... وقدْ لاحَ منْ أثقالهنَّ شحونُ

كأنّي وقدْ نكّبنَ برقةَ واسطٍ ... وخلّفنَ أحواض النّجَيلٍ طعينُ

فأتبعتُهُمْ عينيَّ حتَّى تلاحمتْ ... عليهم قنانٌ منْ خفينن جونُ

فقدْ حالَ من حزمِ الحماتينِ دونَهُم ... وأعرضَ من وادِي البُليْدِ شجونُ

وفاتتكَ عير الحيِّ لمّا تقلّبتْ ... ظهورٌ بهمْ من ينبعٍ وبطونُ

وقد حالَ من رضوَى وضيبر دونهم ... شماريخُ للأروى بهنَّ حصونُ

على البختِ أو أشباهها غيرَ أنّها ... صهابيّةٌ حمرُ الدُّفوفِ وجونُ

وأعرضَ ركبٌ من عباثرَ دونهُمْ ... ومنْ خدِّ رضوَى المكفهِرِّ جبينُ

فأخلفنَ ميعادِي وخنَّ أمانتِي ... وليسَ لمنْ خانَ الأمانةَ دينُ

وأورثنهُ نأياً فأضحَى كأنَّهُ ... مخالطُهُ يومَ السّريرِ جنونُ

كذبنَ صفاءَ الودِّ يومَ شنوكةٍ ... وأدرَكَنِي من عهدِهِنَّ وهونُ

وإنَّ خليلاً يحدِثُ الصّرمَ كلّما ... نأيتَ وشطّتْ دارُهُ لظنُونُ

وطافَ خيالُ الحاجبيّةِ موهِناً ... ومرٌّ وقرنٌ دونَها ورنينُ

وعاذلةٍ ترجو ليالي نجهتُها ... بأنْ ليسَ عندِي للعواذلِ لينُ

تلومُ امرأً في عنفوانِ شبابِهِ ... وللتَّرْكِ أشياعُ الصَّبابَةِ حينُ

وما شعرتْ أنّ الصّبا إذْ تلومُني ... على عهدِ عادٍ للشَّبابِ خدينُ

وإنّي ولو داما لأعلمُ أنّني ... لحفرَةِ موتٍ مرَّةً لدفينُ

وإنّي لم أعلَم ولم أجدِ الصِّبا ... يلائمُهُ إلاَّ الشّبابَ قرينُ

وأنَّ بياضَ الرّأسِ يعقبُ بالنّهى ... ولكنَّ أطلالَ الشبابِ تزينُ

لعمري لقدْ شقّتْ عليَّ مريرةٌ ... ودارٌ أحلَّتْكِ البويبَ شطونُ

وقال كثير يرثي عمر بن عبد العزيز، وليست في المختار:

لقدْ كنتَ للمظلومِ عزاً وناصراً ... إذا ما تعيّا في الأمورِ حصونُها

كما كانّ حصناً لا يرامُ ممنَّعاً ... بأشبالِ أسدٍ لا يرامُ عرينُها

وليتَ فما شانتكَ فينا ولايةٌ ... ولا أنتَ فيها كنتَ ممّنْ يشينها

فعفّتْ عن الأموالِ نفسكَ رغبةً ... وأكرمْ بنفسٍ عندَ ذاكَ تصونُها

وعطلتَها من بعدِ ذلكِ كالّذي ... نهى نفسه أنْ خالفتهُ يهينُها

كدحتَ لها كدحَ امرئٍ متحرِّجٍ ... قد أيقنَ أنَّ اللهَ سوفَ يدينُها

فما عابَ من شيءٍ عليهِ فإنّهُ ... قد استيقنتْ فيهِ نفوسٌ يقينُها

فعشتَ حميداً في البريَّةِ مقسطاً ... تؤدِّي إليها حقَّها ما تخونُها

ومتَّ فقيداً فهي تبكي بعولةٍ ... عليكَ وحزنٍ ما تجفُّ عيونُها

إذا ما بدا شجواً حمامٌ مغرِّدٌ ... على أثلةٍ خضراءَ دانٍ غصونُها

بكتْ عمرَ الخيراتِ عيني بعبرةٍ ... على إثرِ أخرَى تستهلُّ شؤونُها

تذكرتُ أيّاماً خلتْ وليالِياً ... بها الأمنُ فيها العدلُ كانت تكونُها

فإنْ تصبحِ الدّنيا تغيّرَ صفوُها ... فحالتْ وأمستْ وهي غثِّ سمينُها

فقدْ غنيتْ إذ كنتَ فيها رخيَّةُ ... ولكنَّها قدماً كثيرٌ فنونُها

فلو كان ذاقَ الموتَ غيركَ لم تجدْ ... سخياً بها ما عشتَ فيها يمونُها

فمن لليتامى والمساكِينِ بعدَهُ ... وأرملةٍ باتتْ شديداً أنينُها

وليس بها سقمٌ سوى الجوعِ لم تجدْ ... على جوعِها من بعدِها من يعينُها

وكنتَ لها غيثاً مريعاً ومرتَعاً ... كما في غمارِ البحرِ أمرعَ نونُها

فإنْ كانَ للدُّنيا زوالٌ وأهلُها ... لعدلٍ إذا ولَّى فقد حانَ حينُها

أقامتْ لكمْ دنيا وزالَ رخاؤها ... فلا خيرَ في دنيا إذا زالَ لينُها

بكتهُ الضّواحي واقشعرَّتْ لفقدِهِ ... بحزنٍ عليها سهْلُها وحزونُها

فكلُّ بلادٍ نالَها عدلُ حكمهِ ... شديدٌ إليها شوقُها وحنينُها

<<  <   >  >>