فحيَّتْ نياماً لم يردُّوا تحيّةً ... إليها وفي بعضِ اللّمامِ شغوبُ
لقدْ طرقتنا في التّنائِي وإنّها ... على القربِ علمي للسُّرَى لهيوبُ
أحبُّكِ ما حنَّتْ بغورِ تهامَةٍ ... إلى البوِّ مقلاتُ النّتاجِ سلوبُ
وما سجعتْ من بطنِ وادٍ حمامةٌ ... يجاوبُها صاتُ العشِيِّ طروبُ
وإنّي ليثنيني الحياءُ فأنثني ... وأقعدُ والممشَى إليكِ قريبُ
وآتِي بيوتاً حولكُمْ لا أحبُّها ... وأكثرُ هجرَ البيتِ وهو حبيبُ
وأغضي على أشياءَ منكِ تريبُنِي ... وأدعَى إلى ما نابَكمْ فأجيبُ
وما زلتُ من ذكراكِ حتّى كأنني ... أميمٌ بأكنافِ الدِّيار سليبُ
وحتّى كأنِّي من جوى الحبِّ منكمُ ... سليبٌ بصحراءِ البريحِ غريبُ
أبثّكِ ما ألقَى وفي النَّفسِ حاجةٌ ... لها بين جلدِي والعظامٍ دبيبُ
أراكمْ إذا ما زرتُكُمْ وزيارتِي ... قليلٌ يرَى فيكُمْ إليَّ قطُوبُ
أبيني أتعويلٌ علينا بما أرَى ... منَ الحبِّ أم عندي إليكِ ذنوبُ
أبينِي فأمّا مستحيرٌ بعلّةٍ ... عليَّ وأمّا مذنبٌ فأتوبُ
حلفتُ وما بالصدِّقِ عيبٌ على امرئٍ ... يراهُ وبعضُ الحالفينَ كذوبَ
بربِّ المطايا السّابحاتِ وما بنتْ ... قريشٌ وأهدَتْ غافقٌ وتجيبُ
وملقَى الولايا من منىً حيثُ حلَّقَتْ ... إيادٌ وحلَّتْ غامدٌ وعتيبُ
يمينَ امرئٍ لم يغشَ فيها أثيمةً ... صدوقٍ وفوقَ الحالفينَ رقيبُ
لنعمَ أبو الأضياف يغشونَ نارهُ ... وملقى رحالِ العيس وهيَ لغوبُ
ومختبطُ الجادي إذا ما تتابعتَ ... على النّاسِ مثنى قرّةٍ وجدوبُ
وحامي ذمارِ القومِ فيما ينوبُهُمْ ... إذا ما اعترتْ بعدَ الخطوبِ خطوبُ
على كلِّ حالٍ إنْ ألمّتْ ملمّةٌ ... بنا عمرٌ والنّائباتُ تنوبُ
فتىً صمتُهُ حلمٌ وفصلٌ مقالُهُ ... وفي البأسِ محمودُ الثّناء صليبُ
خطيبٌ إذا ما قالَ يوماً بحكمةٍ ... من القولِ مغشِيُّ الّرواقِ مهيبُ
كثيرُ النّدَى يأتي النّدَى حيثُ ما أتى ... وإنْ غابَ غابَ العرفُ حيثُ يغيبُ
كريمُ كرامٍ لا يرى في ذوي النّدَى ... له في النّدى والمأثراتِ ضريبُ
أبيٌّ أبَى أنْ يعرفض الضّيمَ غالبٌ ... لأعدائهِ شهمُ الفؤادِ أريبُ
يقلّبُ عيني أزرقٍ فوقَ مرقبٍ ... يفاعٍ لهُ دونَ السَّماءِ لُصُوبُ
غدا في غداةٍ قرَّةٍ فانتحتْ لهُ ... على إثر ورّادِ الحمامِ جنوبُ
جنا لأبي حفصٍ ذرَى المجدِ والدٌ ... بنى دونَهُ للبانيينِ صعُوبُ
فهذا على بنيان هذاك يبتني ... بناهُ وكلٌّ منجبٌ ونجيبُ
وجدُّ أبيهِ قد ينافي على البنا ... بناهُ وكلٌّ شبَّ وهو أديبُ
فأنتَ على منهاجهمْ تقتدي بهمْ ... أمامَكَ ما سدُّوا وأنتَ عقيبُ
فأصبحتَ تحذُو من أبيكَ كما حذا ... أبوكَ أباهُ فعلهُ فتصيبُ
وأمسيتَ قلباً نابتاً في أرومةٍ ... كما في الأرومِ النّابتاتِ قلوبُ
أبوكَ أبو العاصي فمنْ أنتَ جاعلٌ ... إليهِ وبعضُ الوالدينِ نجيبُ
وأنتَ المنقّى منْ هنا ثمَّ منْ هنا ... ومنْ هاهُنا والسَّعدُ حينَ تؤوبُ
أقمتَ بهلكَي مالكٍ حين عضَّهُم ... زمانٌ يعرّ الواجدينَ عصيبُ
وأنتَ المرَجّى والمفدّى لمالكٍ ... وأنتَ حليمٌ نافعٌ ومصيبُ
وليتَ فلمْ تغفلْ صديقاً ولم تدعْ ... رفيقاً ولم يحرمْ لديكَ غريبُ
وأحييتَ من قدْ كان موّتَ مالهُ ... فإنْ متَّ من يدعى له فيجيبُ
مضيتَ لسوراتِ العلَى فاحتويتَها ... وأنتَ لسوراتِ العلاءِ كسُوبُ
وما النّاسُ أعطوكَ الخلافةَ والتّقى ... ولا أنتَ فاشكرْهُ يثبكَ مثيبُ
ولكنّما أعطاكَ ذلكَ عالمٌ ... بما فيك معطٍ للجزيلِ وهوبُ
وقال كثير:
أبائنةٌ سعدى نعمْ ستبينُ ... كما انبتَّ من حبلِ القرينِ قرينُ
أأن زمَّ أجمالٌ وفارقَ جيرَةٌ ... وصاحَ غرابُ البينِ أنتَ حزينُ
كأنّكَ لم تسمعْ ولم ترَ قبلَها ... تفرُّقَ ألاّفٍ لهنَّ حنينُ