فقالتْ وعضّتْ بالبنانِ فضحْتنِي ... وأنتَ امرؤٌ ميسور أمرِكَ أعسَرُ
أريتكَ إذْ هنَّا عليكَ ألم تخفْ ... رقيباً وحولِي من عدوِّكَ حضَّرُ
فقلتُ كذاكَ الحبُّ قد يحملُ الفتَى ... على الهولِ حتّى يستقادَ فينحرُ
فو اللهِ ما أدّري أتعجيلُ راحةٍ ... سرتْ بكَ أم قدْ نامَ منْ كنتَ تحذرُ
فقلتُ لها بل قادَني الحبُّ والهَوى ... إليكِ وما نفسٌ من النّاسِ يشعُرُ
فقالتْ وقدْ لانتْ وأفرخَ روعُها ... كلاكَ بحفظٍ ربُّكَ المتكَبِّرُ
فأنتَ أبا الخطّاب غيرُ منازعٍ ... عليَّ أميرٌ ما مكثتُ مؤمَّرُ
فبتُّ قريرَ العينِ أعطيتُ حاجتِي ... أقبِّلُ فاها في الخلاء فأكثرُ
فيا لك من ليلٍ تقاصرَ طولُهُ ... وما كانَ ليلِي قبلَ ذلكَ يقصرُ
ويالكَ من ملهىً هناكَ ومجلسٍ ... لنا لم يكدِّرْهُ علينا مكدِّرُ
يمجُّ ذكيَّ المسكِ منها مفلّجٌ ... نقيُّ الثنايا ذو غروبٍ مؤشَّرُ
يرفُّ إذا تفترُّ عنهُ كأنّهُ ... حصَى بردٍ أو أقحوانٍ منوّرُ
وترنو بعينيها إليَّ كما رَنا ... إلى ظبيةٍ وسطَ الخميلةِ جؤذَرُ
فلمّا تقضّى اللّيلُ إلاَّ أقلُّهُ ... وكادتْ توالِي نجمهِ تتغوَّرُ
أشارتْ بأنَّ الحيَّ قدْ حانَ منهمُ ... هبوبٌ ولكنْ موعدٌ لكَ عزورُ
فما راعني إلاَّ منادٍ تحمّلُوا ... وقدْ شُقَّ معروفٌ من الصُّبحِ أشقَرُ
فلمّا رأتْ من قدْ تئوَّر منهمُ ... وأيقاظهُم قالت أشرْ كيفَ تأمُرُ
فقلتُ أباديهمْ فأمّا أفوتُهمْ ... وأمّا ينالُ السّيفُ ثأراً فيثأرُ
فقالتْ أتحقيقٌ كما قال كاشحٌ ... علينا وتصديقٌ لما كان يؤثرُ
فإنْ كانَ ما لا بدَّ منهُ فغيرُهُ ... من الأمرِ أدنَى للخفاءِ وأستَرُ
أقصُّ على أختيَّ بدءَ حديثنا ... وما بي من أنْ تعلما متأخَّرُ
لعلَّهما أنْ تبغيا لكَ مخرَجاً ... وأنْ ترحُبا سِرباً بما كنتُ أحصرُ
فقامتْ كئيباً ليسَ في وجهِها دمٌ ... منَ الحزنِ تدنِي عبرةً تتحدَّرُ
فقالتْ لأختيْها أعينا على فتىً ... أتى زائراً والأمرُ للأمرِ يقدَرُ
فأقبلَتا فارتاعَتا ثمَّ قالَتا ... أقلّي عليكِ اللّومَ فالخطبُ أيسَرُ
فقالتْ لها الصغرَى سأعطيهِ مطرَفي ... ودرعِي وهذا البرْدَ إنْ كانَ يحذرُ
يقومُ فيمشي بينَنا متنكّراً ... فلا سُّرنا يفشُو ولا هوَ يظهَرُ
فكانَ مجنّي دونَ من كنتُ أتّقي ... ثلاثُ شخوصٍ كاعبانِ ومعصرُ
فلمّا أجزْنا ساحةَ الحيِّ قلنَ لِي ... أما تتّقِي الأعداءَ واللّيلُ مقمرُ
وقلنَ أهذا دأبكَ الدَّهرَ سادِراً ... أما تستحي أو ترعَوِي أو تفكِّرُ
إذا جئتَ فامنحْ طرفَ عينيكَ غيرَنا ... لكيْ يحسَبُوا أن الهوّى حيثُ تبصِرُ
على أنّني قدْ قلتُ يا نعمُ قولةً ... لها والعتاقُ الأرحبيَّةُ تزجَرُ
هنيئاً لبعلِ العامريّةِ نشرُها ... اللّذيذ وريّاها الّذي أتذكَّرُ
فقمتُ إلى حرفٍ تخوَّنَ نيَّها ... سرَى اللّيلِ حتّى لحمُها يتحسَّرُ
وحبسِي على الحاجاتِ حتّى كأنّها ... بليَّةُ لوحٍ أو شجارٌ ومؤسَّرُ
وماءٍ بموماةٍ قليلٍ أنيسُهُ ... بسابسُ لمْ يحدثْ بها الصَّيفُ محضرُ
به مبتنىً للعنكبوتِ كأنَّهُ ... على شرفِ الأرجاءِ خامٌ منشَّرُ
وردتُ وما أدرِي أما بعدَ موردِي ... من اللّيلِ أم ما قدْ مضَى منهُ أكثرُ
فطافتْ به مغلاةُ أرضٍ تخالُها ... إذا التفتتْ مجنونةً حينَ تنظُرُ
تنازعُنِي حرصاً على الماءِ رأسَها ... ومن دونِ ما تهوَى قليبٌ معوَّرُ
محاولةً للوردِ لولا زمامُها ... وجذبِي لها كانتْ مراراً تكسَّرُ
فلمّا رأيتُ الضرَّ منها وأنّني ... ببلدةِ أرضٍ ليسَ فيها معصَّرُ
قصرتُ لها من جانبِ الحوضِ منشأً ... صغيراً كقيدِ الشِّبر أو هوَ أصغرُ
إذا شرعَتْ فيهِ فليْسَ لمُلتقى ... مشافِرها منهُ قِدَى الكفِّ مسأرُ
ولا دلوَ إلاَّ القعبُ كانَ رشاءهُ ... إلى الماءِ نسعٌ والجديلُ المظفَّرُ