فسافتْ وما عافتْ وما صدَّ شُربَها ... عن الرِّيِّ مطروقٌ من الماءِ أكدَرُ
وقال عمر بن أبي ربيعة أيضاً: المتقارب
صحا القلبُ عن ذكرِ أمِّ البنِينَ ... بعدَ الذي قدْ مضى في العصُرْ
وأصبح طاوع عذاله ... وأقصر بعد الآباء المَبرْ
أخيراً وقدْ راعهُ لائحٌ ... من الشَّيْبِ من يعلُهُ ينزجَرْ
على أنَّ حبِّي ابنةَ المالكِي ... كالصّدعِ في الحجرِ المنفطِرْ
يهيمُ النّهارَ ويدنُو لهُ ... جنانُ الظّلامِ بليلٍ سهِرْ
وينمي لها حبُّها عندَنا ... فمنْ قالَ منْ كاشحٍ لم يضُرْ
من المسبغينَ رقاقَ الثّيابِ ... تكسَى النّعالُ فضولَ الأزُرْ
فإنْ تصرِمِي الحبلَ أو تصبِحي ... وصلتِ برثِّ القوَى منبتِرْ
فنحنُ المصاليتُ يومَ الهيا ... جِ والمانعونَ ذمارَ الدُبُرْ
ونحنُ المقيمُونَ يومَ الحفا ... ظِ والضَّاربونَ ببيضٍ بتُرْ
ونحنُ المغيرونَ تحتَ العجا ... جِ عندَ بدوءِ العذارَى الخفرْ
ونحنُ المتاريكُ ظلمَ الصَّدي ... قِ والسَّابقونَ بحسنِ العذُرْ
وننمِي إلى فرعِ جرثومَةٍ ... أقامتْ على قاهرٍ مشمخِرْ
أشمَّ منيفٍ يناغِي السَّما ... ء تنبُو قوادمُهُ بالغفرْ
وغيثٍ تبطَّنْتُ قريانهُ ... بأجردَ ذي ميعةٍ منهمرْ
مسحِّ الفضاء كسيدِ الآبا ... ء جمِّ الجراءِ شديدِ الحضُرْ
له ميعةٌ كاضطرامِ الحري ... قِ في العيصِ والأجَمِ المستعِرْ
ويهوِي كمثلِ هويَّ الدَّلا ... ةِ في قطعةِ الكربِ المنحَدِرْ
وتبقى سنابكهُ بالفلاةِ ... كمثلِ الدّوادي لدَى محتفرْ
وقال عمر أيضاً، وهي قطعة استحسنتها له فكتبتُها، وهي خارجة من الشَّرط في الاختيار إذ هي قطعة، وذكر الزبير بن بكّار قال أجمع من له علمٌ ببلدنا إنَّه أغرى ما سمعوا من الشعر هذه القطعة هي:
أألحقُّ إن الرَّبابِ تباعدَتْ ... أو انبتَّ حبلٌ أنَّ قلبكَ طائرُ
أفقْ قدْ أفاقَ الواجدونَ وفارَقوا ... الهوَى واستمرَّتْ بالرِّجالِ المرايرُ
زعِ القلبَ واستبقِ الحياءَ فإنَّما ... تبعِّدُ أو تدنِي الرّبابَ المقادِرُ
أمتْ حبَّها واجعَل رجاءَ وصالِها ... وعشرَتِها كبعضِ من لا تعاشِرُ
وهبْها كشيءٍ لمْ يكنْ أو كنازحٍ ... به الدّارُ أو منْ غيبتْهُ المقابرُ
فكالنّاسِ علّقتَ الرَّبابَ فلا تكنْ ... أحاديثَ من يبدو ومن هوَ حاضِرُ
فإنْ أنتَ لم تفعلْ ولستَ بفاعلٍ ... ولا سامعٍ قولَ الذي هو زاجرُ
فنفسكَ لم عينين حيثُ الّذي ترَى ... وطاوعتَ هذا الغيّ إذْ أنتَ سادرُ
وقال عمر أيضاً:
أأقامَ أمسِ خليطُنا أمْ سارا ... سائلْ بعمرِكَ أيُّ ذاكَ اختارا
وإخالُ أنَّ نواهمُ قذَّافةٌ ... كانتْ معاودَةَ الفراقِ مرارا
قامتْ تراءى بالصّفاحِ كأنَّها ... كانتْ تزيدُ لنا بذاكَ ضرارا
فبدتْ ترائبُ من ربيبٍ شادنٍ ... ذكرَ المليلَ إلى الكناسِ فصارا
رحلتْ عشيَّةَ بطنِ نخلةَ إذْ بدتْ ... وجهاً يضيءُ بياضُهُ الأستارا
كالشمسِ تعجبُ من يرى ويزينُها ... حسبٌ أغرُّ إذا تريدُ فخارا
سقيتْ بوجهكَ كلُّ أرضٍ جبتِها ... ولمثلِ وجهكَ أسقيَ الأمطارا
من ذا نواصلُ إذ صرمتِ حبالَنا ... أو من نحدِّثُ بعدَكِ الأسرارا
هيهاتَ منكَ قعيقهانُ وأهلُها ... بالحرَّتينِ فشطَّ ذاكَ مزارا
سكّنْ فؤادكَ لا يطيرُ به الهوَى ... ولو أنَّ قلبكَ يستطيعُ لطارا
لو يبصِرُ الثَّقفُ البصِيرُ جبينَها ... وصفاءَ خدَّيْها العتيقَ لحارا
وأرى جمالَكِ فوقَ كلِّ جميلةٍ ... وشعاعَ وجهكِ يخطفُ الأبصارا
إنّي رأيتُكِ غادةً خمصانةً ... ريَّا الرَّوادفِ لذَّةً مبشارا
محطوطةِ المتنينِ أكملَ خلقُها ... مثلُ السّبيكةِ بضّةً معطارا
تسقِي الصّديقَ بباردٍ ذي رونقٍ ... لو كانَ في غلسِ الظّلامِ أنارا
وسقتْهُ بشرةُ عنبراً وقرنفلاً ... والزَّنجبيلَ وخلطهنَّ عقارا