طاحَ الفرزدقُ في الرِّهانِ وغمَّهُ ... غمرُ البديهةِ صادقُ المضمارِ
ترجُو الهوادةَ يا فرزدقُ بعدَما ... أطفأتَ ناركَ واصطليتَ بنارِي
إنِّي ليحرقُ منْ قصدتُ لشتمهِ ... نارِي ويلحقُ بالغواةِ سعاري
تبّاً لفخركَ بالضَّلالِ ولمْ يزلْ ... ثوبا أبيكَ مدنَّسينِ بعارِ
ماذا تقولُ وقدْ علوتُ عليكمُ ... والمسلمُونَ لمِا أقولُ قوارِي
وإذا سألتَ قضَى القضاةُ عليكُمُ ... وإذا افتخرتَ علا عليكَ فخارِي
فأنا النّهارُ علا عليكَ بضوئهِ ... واللّيلُ يقبضُ بسطةَ الأبصارِ
إنَّا لنربَعُ بالخميسِ ترَى لهُ ... رهجاً ونضربُ قونسَ الجبّارِ
إذ لا تغارُ على النّساء مجاشعٌ ... يومَ الحفاظِ ولا يفونَ لجارِ
أنَّي لقومكَ مثلَ عدوَةِ خيلِنا ... بالشَّعبِ يومَ مجزَّلِ الأمرارِ
قومي الّذين يزيدُ سمعِي ذكرهمْ ... سمعاً وكانَ بضوئهِمْ إبصارِي
والمورِدونَ على الأسنَّةِ قرَّحاً ... حمراً مساحلهنَّ غيرَ مهارِ
هلْ تشكرونَ لمنْ تدارَكَ سبيكُمْ ... والمُرْدفاتُ يملنَ بالأكوارِ
إنّي لتعرَفُ في الثغورِ فوارِسِي ... ويفرِّجونَ قتامَ كلِّ غبارِ
نحنُ البناةُ دعائِماً وسوارياً ... يعلونَ كلَّ دعائمٍ وسوارِي
تدعُو ربيعةُ والقميصُ مفاضَةٌ ... تحتَ النِّجادِ تشدُّ بالأزرارِ
إنَّ البعيثَ وعبدَ آلِ مقاعسٍ ... لا يقرآنِ بسورةِ الأحبارِ
أبلغْ بني وقبانَ أنَّ نساءَهمْ ... خورٌ بناتُ موقّعٍ خوّارِ
كنتمْ بني أمةٍ فأغلقَ دونكمْ ... بابُ المكارمِ يا بني النَّخوارِ
أبنِي قفيرةَ قدْ أناخَ إليكمُ ... يومَ التَّقاسمِ لؤمُ آلِ نزارِ
إنَّ اللّئامِ بنِي اللّئامِ مجاشعٌ ... والأخبثينَ محلَّ كلِّ إزارِ
إنَّ المواجنَ منْ بناتِ مجاشعٍ ... مأوى اللّصوصِ وملعَبُ العهَّارِ
تبكِي المغيبةُ من بناتِ مجاشعٍ ... ولهَى إذا سمعتْ نهيقَ حمارِ
لا تبتغي كمراً بناتُ مجاشعٍ ... ويردنَ مثلَ بيازرِ القصّارِ
أبنيَّ شعرةَ ما أردتَ وحربُنا ... بعدَ المراسِ شديدةُ الإضرارِ
سارَ القصائدُ فاستبحنَ مجاشعاً ... ما بينَ مصرَ إلى جنوبِ وبارِ
يتلاومونَ وقدْ أباحَ حريمَهمْ ... قينٌ أحلَّهمُ بدارِ بوارِ
أعليَّ تغضبُ أنْ قفيرةُ أشبهتْ ... منهُ مكانَ مقلَّدٍ وعذارِ
نامَ الفرَزْدَقُ عنْ نوارَ كنومِهِ ... عنْ عقرِ جعثنَ ليلةَ الإخفارِ
قال الفرزدقُ إذ أتاهُ حديثُها ... ليستْ نوارُ مجاشعٍ بنوارِ
تدعُو ضريسَ بَني الحتاتِ إذا انتشتْ ... وتقولُ ويحكَ من أحسَّ سوارِي
إنَّ القصائدَ لنْ تزالَ سوانِحاً ... بحديثِ جعثنَ ما ترنَّمَ سارِي
لمّا بنَى الخطفَى رضيتُ بما بنَى ... وأبُو الفرَزدَقِ نافخُ الأكيارِ
ويبيتُ يشربُ عندَ كلِّ مقصِّصٍ ... خضلِ الأناملِ واكفَ المعصارِ
لا تفخرَنَّ فإنَّ دينَ مجاشعٍ ... دينُ المجوسِ تطوفُ حولَ دوارِ
وقال جرير أيضاً يجيبُ الفرزدق:
ألا حيِّ ربعَ المنزلِ المتقادمِ ... وما حلَّ مذ حلَّتْ بِهِ أمُّ سالمِ
تميميَّةٌ حلَّتْ بحومانةَ قساً ... حمَى الخيلِ ذادتْ عن قسىً فالصَّرائمِ
أبيتِ فما تقضينَ ديناً وطالَما ... بخلتِ بحاجاتِ الصَّديقِ المكارمِ
بنا كالجوَى ممّا نخافُ وقدْ نرَى ... شفاءَ القلُوبِ الصّادياتِ الحوائمِ
أعاذلَ هيجينِي لبينٍ مصارمٍ ... غداً أو ذرينِي من عتابِ الملاومِ
أغرَّكِ منّي أنَّما قادَنِي الهوَى ... إليكِ وما عهدٌ لكنَّ بدائمِ
ألا ربَّما هاجَ التَّذكُّرُ والهوَى ... بتعلةَ أعشاشٍ دموعِ السَّواجمِ
عفتْ قرقرَى والوشمُ حتَّى تنكَّرتْ ... معارفُها والخيمُ ميلُ الدَّعائمِ
وأقفرَ وادِي ثرمداءَ وربَّما ... تدانَى بذِي بهدَى حلولُ الأصارمِ
لقدْ ولدتْ أمُّ الفرزدقِ فاجراً ... فجاءتْ بوزوازٍ قصيرِ القوائمِ