وظلَّ لكمْ يومٌ بسنجارَ فاضحٌ ... ويومٌ بأعطانِ الرَّحوبينِ أفضحُ
وضيّعتمُ بالبشرِ عوراتِ نسوةٍ ... تكشَّفْ عنهنَّ العباءُ المسيَّحُ
بذلكَ أحمينا البلادَ عليكمُ ... فما لكَ في ساحاتها متزحزحُ
أبا مالكٍ مالتْ برأسكَ نشوةٌ ... وعرَّدتَ إذ كبشُ الكتيبةِ أملحُ
إذا ما رأيتَ اللّيتَ من تغلبيَّةٍ ... فقبِّحَ ذاكَ اللِّيتُ والمتوشَّحُ
ترى محجراً منها إذا ما تنقَّبتْ ... قبيحاً وما تحتَ النِّقابينِ أقبحُ
إذا جرِّدتْ لاحَ الصّليبُ على استها ... ومن جلدِها زهمُ الخنازيرِ تنفحُ
ولمْ تمسحِ البيتَ العتيقَ بكفِّها ... ولكنْ لقربانِ الصَّليبِ تمسَّحُ
يقينَ صباباتٍ من الخمرِ فوقها ... صهيرُ خنازيرِ السَّوادِ المُملّحُ
وقال جرير يهجو الفرزدق، ويمدح بني جعفر:
أزرْتَ ديارَ الحيِّ أمْ لا تزورُها ... وأنَّى من الحيِّ الجمادِ فدورُها
وهلْ تنفعُ الدّارُ المخيلةُ ذا الهوى ... إذا أسننَّ أعرافاً على الدّارِ مورُها
كأنَّ ديارَ الحيِّ من قدمِ البلَى ... قراطيسُ رهبانٍ أحالتْ سطورُها
كما ضربتْ في معصمٍ حارثيَّةٌ ... يمانيةٌ بالوشمِ باقٍ نؤورُها
تفوتُ الرُّماةَ الوحشَ وهي غريرَةٌ ... وتخشى نوارُ الوحشَ ما لا يضيرُها
لئنْ زلَّ يوماً بالفرزدقِ حلمُهُ ... وكانَ لقيسٍ حاسداً لا يضيرُها
من الحينِ سقتَ الخورَ خورَ مجاشعٍ ... إلى حربِ قيسٍ وهيَ حامٍ سعيرُها
كأنَّكَ يا ابنَ القينِ واهبُ سيفهِ ... لأعدائهِ والحربُ تغلي قدُورُها
فلا تأمننَّ الحيَّ قيساً فإنَّهمْ ... بنو محصناتٍ لم تدَنَّسْ حجورُها
ميامينُ خطّارونَ يحمونَ نسوةً ... مناجيبُ تغلو في قريشٍ مهورُها
ألا إنَّما قيسٌ نجومٌ مضيئةٌ ... يشقُّ دجى الظَّلماءِ باللّيلِ نورُها
تعدُّ لقيسٍ من قديمِ فعالِها ... بيوتٌ أواسيها طوالٌ وسورُها
فوارسُ قيسٍ يمنعونَ حماهمُ ... وفيهمْ جبالُ العزِّ صعباً وعورُها
وقيسٌ همُ قيسُ الأسنَّةِ والقَنا ... وقيسٌ حماةُ الحربِ تدمَى نحورُها
سليمٌ وذبيانٌ وعمروٌ وعامرٌ ... حصونٌ إلى عزٍّ طويلٌ عمورُها
ألمْ ترَ قيساً لا يضامُ لها حمىً ... ويقضي بسلطانٍ عليكَ أميرُها
ملوكٌ وأخوالُ الملوكِ ومنهمُ ... عيونُ الحيا يحيي البلادَ مطيرُها
وإنَّ جبالَ العزِّ من آلِ خندفٍ ... لقيسٍ فقدْ عزَّتْ وعزَّ نصيرُها
ألم ترَ قيساً حينَ خارتْ مجاشعٌ ... تجيرُ ولا تلقَى قبيلاً يجيرُها
بني دارمٍ من ردَّ خيلاً مغيرةً ... غداةَ الصَّفا لم ينجُ إلاَّ عشورُها
وردتُمْ على قيسٍ بخورِ مجاشعٍ ... فبؤتمْ على ساقٍ بطيءٌ جبورُها
كأنَّهمُ بالشِّعبِ مالتْ عليهمُ ... نضادٌ وأجبالُ السّتارِ ونيرُها
لقدْ نذرتْ جدعَ الفرزدقِ جعفرٌ ... إذا حزَّ أنفُ القينِ حلَّ نذورُها
ذوو الحجراتِ الشُّمُّ من آلِ جعفرٍ ... يسلَّمُ جانِيها ويعطى فقيرُها
حياتهمُ عزٌّ وتبنِي لجعفرٍ ... إذا ذكرتْ مجدَ الحياةِ قبورُها
وعردتُمُ عن جعفرٍ يومَ معبدٍ ... فأسلمَ والفلحاءُ عان أسيرُها
أتنسونَ يوميْ رحرحانَ وأمُّكمُ ... جنيبةُ أفراسٍ يحثُّ بعيرُها
وتذكرُ ما بينَ الضّباب وجعفرٍ ... وتنسونَ قتلَى لم تقتَّلْ ثؤورُها
لقد أكرهتْ زرقَ الأسنَّةِ فيكمُ ... قرا سمهريّاتٍ قليلٍ فطورُها
فقلَّ غناءً عنكَ في حربِ جعفرٍ ... تغنِّيكَ زرّاعاتُها وقصُورُها
إذا لم يكنْ إلاَّ قيونُ مجاشعٍ ... حماةً عن الأحسابِ ضاعتْ ثغورُها
ألمْ ترَ أنَّ اللهَ أخزَى مجاشعاً ... إذا ذكرتْ بعدَ البلاءِ أمورُها
بأنَّهمُ لا محرمٌ يتقونهُ ... وأنْ لا يفي يوماً بجارٍ مجيرُها
لقد بنيتْ قدماً بيوتُ مجاشعٍ ... على الحنثِ حتَّى قدْ أصلّتْ قعورُها
فكمْ فيهمِ منْ سوأةٍ ذاتِ أقرحٍ ... تدمَّى وأخرَى قدْ أُتمَّتْ شهورُها