وإنكَ قدْ أعطيتَ نصراً على العدا ... ولقيتَ صبراً واحتسابَ المجاهدِ
إذا جمعَ الأعداءُ أمرَ مكيدةٍ ... لغدرٍ كفاكَ اللهُ كيدَ المكايدِ
وإنا لنرجو أنْ ترافقَ عصبةً ... يكونونَ للفردوسِ أولَ واردِ
تمكنتَ منْ حييْ معدٍّ منَ الذرى ... وفي اليمنِ الأعلى كريمَ الموالدِ
وما زلتَ تسمو للمكارمِ والعلا ... وتعمرُ عزاً مستنيرَ المواردِ
إذْ عدَّ أيامُ المكارمِ فافتخرّ ... بأيامكَ الشمِّ الطوالِ السواعدِ
وكمْ لكَ منْ بانٍ رفيعٍ بناؤهُ ... وفي آلِ صعبٍ منْ خطيبٍ ووافدِ
يسركَ أيامَ المحصبِ ذكرهمْ ... ويومَ مقامِ الهدي ذاتِ القلائدِ
بنيتَ المنارَ المستنيرَ على الهدى ... فأصبحتَ نوراً ضوؤهُ غيرُ خامدِ
بنيتَ بناءً لمْ يرَ الناسُ مثلهُ ... يكادُ يوازى سورهُ بالفراقدِ
وأعطيتَ ما أعيى القرونَ التي مضتْ ... فنحمدُ مولانا وليَّ المحامدِ
لقدْ كانَ في أنهارِ دجلةَ نعمةٌ ... وحظوةُ جدٍّ للخليفةِ صاعدِ
عطاءَ الذي أعطى الخليفةَ ملكهُ ... ويكفيهِ تزفارَ النفوسِ الحواسدِ
فإنَّ الذي أنفقتَ حزماً وقوةً ... تجيءُ بأضعافٍ منَ الربحِ زائدِ
جرتْ لكَ أنهارٌ بيمنٍ وأسعدٍ ... إلى زينةٍ في صحصحانِ الأجالدِ
ينبتنَ أعناباً ونخلاً مباركاً ... وحباً حصيداً منْ كريمِ الحصائدِ
إذا ما بعثنا رائداً يطلبُ الندى ... أتانا بحمدِ اللهِ أحمدُ رائدِ
فهلْ لكَ في عانٍ وليسَ بشاكرٍ ... فتطلقهُ منْ طولِ عضِّ الحدائدِ
يعودُ وكانَ الحنثُ منهُ طبيعةً ... وإنْ قالَ إني معتبٌ غيرُ عائدِ
فلا تقبلوا ضربَ الفرزدقِ إنهُ ... هوَ الزيفُ ينفي ضربهُ كلُّ ناقدِ
ندمتَ وما تغني الندامةُ بعدما ... تطوحتَ منْ صكِّ البزاةِ الصوائدِ
فكيفَ نجاةٌ للفرزدقِ بعدما ... ضغا وهوَ في أشداقِ أغلبَ حاردِ
يلوي استهُ مما يخافُ ولمْ يزلْ ... بهِ الحينُ حتى صارَ في كفِّ صائدِ
بني مالكٍ إنَّ الفرزدقَ لمْ يزلْ ... كسوباً لعارِ المخزياتِ الخوالدِ
وإنا وجدنا إذْ وفدنا عليكمُ ... صدورَ القنا والخيلَ أنجحَ وافدِ
ألمْ ترَ يربوعاً إذا ما ذكرتها ... وأيامها شدوا متونَ القصائدِ
فمنْ لكَ إنْ عددتَ مثلَ فوارسي ... حووا حكماً والحضرميَّ بنَ خالدِ
وقال جرير يمدح هلال بن أحوز المازني، ويفخر بأبناء إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ويهجو الفرزدق وبني طهية:
أمنْ ربعِ دارٍ همَّ أنْ يتغيرا ... تراوحهُ الأرواحُ والقطرُ أعصرا
وكنا عهدنا الدارَ والدارُ مرةً ... هي الدارُ إذْ حلتْ بها أمُّ يعمرا
ذكرنا بها عهداً على الهجرِ والبلى ... ولا بدَّ للمشعوفِ أنْ يتذكرا
أجنُّ الهوى ما أنسَ لا أنسَ موقفاً ... عشيةَ جرعاءِ الصريفِ ومنظرا
تباعدَ أهلُ الوصلِ مذْ حلَّ أهلنا ... بقوٍّ وحلتْ بطنَ غولٍ فعرعرا
عشيةَ تسبي القلبَ منْ غيرِ ريبةٍ ... إذا سفرتْ عنْ واضحِ اللونِ أزهرا
أتى دونَ هذا النومِ همُّ فأسهرا ... أراعي نجوماً تالياتٍ وغورا
أقولُ لها من ليلةٍ ليسَ طولها ... كطولِ الليالي ليتَ صبحكِ نورا
حذاراً على نفسِ ابن أحوزَ إنهُ ... جلا كلَّ وجهٍ منْ معدٍّ فأسفرا
أخافُ عليهِ أنهُ قدْ شفى جوىً ... وأبلى بلاءً ذا حجولٍ مشهرا
ألا ربَّ سامي الطرفِ منْ آلِ مازنٍ ... إذا شمرتْ عنْ ساقها الحربُ شمرا
أتنسونَ شداتِ بنْ أحوزَ معلماً ... إذا الموتُ بالموتِ ارتدى وتأزرا
فأدركَ ثأرَ المسمعينِ بسيفهِ ... وأغضبَ في يومِ الخيارِ فنكرا
جعلتَ بقبرٍ للخيارِ ومالكٍ ... وقبرِ عديٍّ في المقابرِ أقبرا
شفيتَ منَ الآثارِ خولةَ بعدما ... دعتْ لهفها واستعجلتْ أنْ تخمرا
وغرقتَ حيتانَ المزونِ وقدْ رأوا ... تميماً وعزاً مناكبَ مدسرا
فلمْ تبقِ منهمٍْ رايةً يرفعونها ... ولمْ تبقِ منْ آلِ المهلبِ عسكرا