أختُ الفرزدقِ منْ أبيهِ وأمهِ ... باتتْ وسيرتها الوجيفُ الأرفعُ
قدْ تعلمُ النخباتُ أنَّ فتاتهمْ ... وطئتْ كما وطيءَ الطريقُ المهيعُ
هلاَّ غضبتَ على قرومِ مقاعسٍ ... إذْ عجلوا لكمُ الهوانَ فأسرعوا
نبئتُ جعثنَ دافعتهمْ باستها ... إذْ لمْ تجدْ لمجاشعٍ منْ يدفعُ
أمدحتَ ويحكَ منقراً أنْ ألزقوا ... بالحارقين فأرسلوها تظلعُ
باتتْ بكلِّ مجرفٍ حامي القفا ... حابي الضلوعُ مقاعسيٍّ تدفعُ
يا ليتَ جعثنَ عندَ حجرةِ أمها ... إذْ تستديرُ بها البلادُ فتصرعُ
قالَ الفرزدقُ وابنُ مرةَ جامحٌ ... كيفَ الحياةُ وفيكِ هذا أجمعُ
جرتْ قناةُ مجاشعٍ في منقرٍ ... غيرَ المراءِ كما يجرُّ المكنعُ
يبكي الفرزدقُ والدماءُ على استها ... قبحاً لتلكَ غروبُ عينٍ تدمعُ
أوقدتَ ناركَ وأستضأتَ بخزيةٍ ... ومنَ الشهودِ خشاخشٌ والأجرعُ
تباً لجعثنَ إذْ لقيتَ مقاعساً ... ولأيّ شكرٍ بعدَ ذلكَ تخشعُ
هذا الفرزدقُ ساجداً لمقاعسٍ ... والقينُ أجزلُ بالصفاحِ موقعُ
جدعتْ مسامعكَ التي لمْ تحمها ... قيسٌ فليسَ بنابتٍ لكَ مسمعُ
سعدُ بنُ زيدِ مناةَ عزٌّ فاضلٌ ... جمعَ السعودَ وكلَّ خيرٍ يجمعُ
يكفي بني سعدٍ إذا ما حاربوا ... عزٌّ قراسيةٌ وجدٌّ مدفعُ
الذائدونَ فلاَ يهدمُ حوضهمْ ... والواردونَ فوردهمْ لا يقدعُ
ما كانَ يضلعُ منْ أخي عميةٍ ... إلاَّ عليهِ دروءُ سعدٍ أضلعْ
فاعلمْ بأنَّ لآلِ سعدٍ عندنا ... عهداً وحبلَ وثيقةٍ لا يقطعُ
يعتادُ مخدعةَ الفرزدقِ زانياً ... أفلا يهدمُ يا نوارُ المخدعُ
عرفوا لنا السلفَ القديمَ وشاعراً ... تركَ القصائدَ ليسَ فيها مصنعُ
ورأيتَ نبلكَ يا فرزدقُ قصرتْ ... ورأيتَ قوسكَ ليسَ فيها منزعُ
وقال جرير يرد على الفرزدق، ويمدح خالد بن عبد الله:
لعلَّ فراقَ الحيّ بالبينِ عامدي ... عشيةَ قاراتِ الرحيلِ الفواردِ
لعمرُ الغواني ما جزينَ صبابتي ... بهنَّ ولا تحبيرَ نسجِ القصائدِ
رأيتُ الغواني مولعاتٍ بذي الهوى ... بحسنِ المنى والخلفِ عندَ المواعدِ
لقدْ طالَ ما صدنَ القلوبَ بأعينٍ ... إلى قصبٍ زينِ البرى والمعاضدِ
وكمْ منْ صديقٍ واصلٍ قدْ قطعنهُ ... وأفتنَّ منْ مستحكمِ الدينِ عابدِ
أتعذرُ إنْ أبديتُ بعدَ تجلدٍ ... شواكلَ منْ حبِّ طريفٍ وتالدِ
فإنَّ التي يومَ الحمامةِ قدْ صبا ... لها قلبُ توابٍ إلى اللهِ ساجدِ
ونطلبُ وداً منكِ لوْ نستفيدهُ ... لكانَ إلينا منْ أحبِّ الفوائدِ
فلاَ تجمعي ذكرَ الذنوبِ لتبخلي ... علينا وهجرانَ المدلِّ المباعدِ
إذا أنتَ زرتَ الغانياتِ على العصا ... تمنيتَ أنْ تسقى دماءَ الأساودِ
أعفُّ عنِ الجارِ القريبِ مزارهُ ... وأطلبُ أشطانَ الهمومِ الأباعدِ
لقدْ كانَ داءٌ بالعراقِ فما لقوا ... طبيباً شفى أدواءهمْ مثلَ خالدِ
شفاهمْ بحلمٍ خالطَ الدينَ والتقى ... ورأفةِ مهديٍّ إلى الحقَّ قاصدِ
فإنَّ أميرَ المؤمنينَ حباكمُ ... بمستبصرٍ في الدينِ زينِ المساجدِ
وإنَّ ابنَ عبدِ اللهِ قدْ عرفتْ لهُ ... مواطنُ لا تخزيهِ عندَ المشاهدِ
وأبلى أميرَ المؤمنينَ أمانةً ... وأبلاهُ صدقاً في الأمورِ الشدائدِ
إذا ما أرادَ الناسُ منا ظلامةً ... أبى الضيمَ واستعصىَ على كلِّ قائدِ
وكيفَ يرومُ الناسُ شيئاً منعتهُ ... لها بينَ أنيابِ الليوثِ الحواردِ
إذا ما لقيتَ القرنَ في حارةِ الوغى ... تنفسَ منْ جياشةٍ ذاتِ عاندِ
وإنْ فتنَ الشيطانُ أهلَ ضلالةٍ ... لقوا منكَ حرباً حميها غيرُ باردِ
إذا كانَ أمنٌ كانَ قلبكَ مؤمناً ... وإنْ كانَ خوفٌ كنتَ أحكمَ ذائدِ
حميتَ ثغورَ المسلمينَ فلمْ تضعْ ... وما زلتَ رأساً قائداً وابنَ قائدِ
تعدُّ سرابيلَ الحديدِ معَ القنا ... وشعثَ النواصي كالضراءِ الطواردِ