للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبّى فعلُنا المعروفَ أنْ تنطقَ الخنا ... وقائلنا بالعرْفِ إلا تكلُّما

فكلُّ معدٍّ قدْ جزيْنا بصنعهِ ... فبؤسَى ببؤساها وبالنعمِ أنعما

وقال حسان: الطويل

لكِ الخيرُ غضِّي اللومَ عَنِّي فإنني ... أحبُّ من الأخلاقِ ما كانَ أجملا

ذريني وعلمِي بالأمورِ وشيمتِي ... فما طائري فيها عليكِ بأخيلا

فإنْ كنتِ لا منِّي ولا مِنْ خليقتِي ... فمنكِ الذي أمْسَى عنِ الخيرِ أعزَلا

ألمْ تعلمِي أنِّي أرَى البخلَ سبَّةً ... وأبغضُ ذا اللونيْنِ والمتنقلا

إذا انصرَفَتْ نفسِي عنِ الشيء مرَّةً ... فلستُ إليهِ آخِرَ الدَّهرِ مقبلا

وإنِّي إذا ما الهمُّ ضافَ قريتُهُ ... زماعاً ومرقالَ العشياتِ عيهلا

ململمةً خطارَةً لو حملْتُها ... على السيفِ لمْ تعدِلُ عن السيفِ معدلا

إذا انبعثتْ من مبركٍ غادَرَتْ بهِ ... قوائمَ أمثالِ الزبائبِ ذبَّلا

فإن بركتْ خوَّتْ على ثفناتها ... كأنَّ على حيزومها حرفَ أعبَلا

مروعَةٌ لو خلفَها صرَّ جندَبٌ ... رأيتَ لها من روعةِ القلبِ إفكلا

وإنّا لقومٌ ما نسودُ غادِراً ... ولا ناكِلاً عندَ الحمالةِ زُملا

ولا مانعاً للمالِ فيما ينوبُهُ ... ولا ناكلاً في الحربِ جبساً مغفلا

نسوِّدُ منا كلَّ أشيَبَ بارعٍ ... أغرَّ تراهُ بالجلالِ مكلَّلا

إذا ما انتدَى أجْنَى الندَى وابْتَنَى العُلَى ... وأُلفِيَ ذا طولٍ على منْ تطولا

فلستَ بلاقٍ ناشِئاً من شبابِنا ... وإن كانَ أندَى منْ سوانا وأجزَلا

نطيعُ فعالَ الشيخِ منا إذا سما ... لأمرٍ ولا نعيا إذا الأمرُ أعضَلا

لهُ إربَةٌ في حزمِهِ وفعالِهِ ... وإنْ كانَ مِنّا حازِمَ الرّأي حوَّلا

وما ذاكَ إلاَّ أنَّنا جعَلَتْ لنا ... أكابرُنا في أوَّلِ الخيرِ أولا

فنحنُ الذُّرَى منْ نسلِ آدَمَ والعُرَى ... تربَّعَ فينا المجدُ ثمَّ تأثَّلا

بنى العزُّ بيتاً فاستقرَّتْ عمادُهُ ... علينا فأعيَى الناسَ أنْ يتحوَّلا

وإنكَ لنْ تلقَى منَ الناسِ معشراً ... أعزَّ منَ الأنصارِ عزّاً وأفضَلا

وأكثرَ أنْ تلْقَى إذا ما أتيتهُمْ ... لهمْ سيِّداً ضخمَ الدسيعةِ جحفلا

وأشيَبَ ميمونَ النقيبةِ ينتفَى ... بهِ الخطرُ الأغلَى وطفلاً مؤملا

وأمردَ مرتاحاً إذا ما ندبْتَهُ ... تحملَ ما حملْتَهُ فتربلا

وعدّاً خطيباً لا يُطاقُ جوابُهُ ... وذا إربَةٍ في شعرِهِ متنخلا

وأصْيَدَ نهاضاً إلى السيفِ ضارِباً ... إذا ما دَعا داعٍ إلى الموتِ أرْقَلا

وأغيدَ مختالاً يجرُّ إزارهُ ... كثيرَ الندَى طلقَ اليديْنِ معذَّلا

لنا حرَّةٌ مأطورَةٌ بجبالِها ... بنَى المجدُ فيها بيتهُ فتأهَّلا

بها النخلُ والآطامُ يجرِي خلالَها ... جداولُ قدْ تعلُوا رقاقاً وجرولا

إذا جدوَلٌ منها تصرَّمَ ماؤهُ ... وصلْنا إليْهِ بالنواضِح جدولا

على كلِ مفهاقٍ خسيفٍ غروبُها ... تفرَّغُ في حوضٍ من الصخرِ أنْجَلا

لهُ غللٌ في ظلِّ كلِّ حديقةٍ ... يعارضُ يعبُوباً من الماءِ سلسَلا

إذا جئتَها ألفَيْتَ في حجراتِها ... عناجيجَ قبّاً والسوامَ المؤبَّلا

جعلنا لها أسيافنا ورماحنا ... منَ الجيشِ والأعْرابِ كهفاً ومعقِلا

إذا جمعوا جمعاً سمونا إليهمِ ... بهنديَّةٍ تُسقَى الذُّعافَ المثمَّلا

نصرْنا بها خير البريَّة كلِّها ... إماماً ووقَّرْنا الكتابَ المنزَّلا

نصرنا وآويْنا وقوَّمَ ضربُنا ... لهُ بالسيُوفِ ميْلَ منْ كانَ أمْيَلا

وإنْكَ لنْ تلْقَى لنا من معنِّفٍ ... ولا عائبٍ إلاَّ لئيماً مضلَّلا

وإلاَّ امْرَءاً قدْ نالَهُ من سُيُوفِنا ... ذُبابٌ فأمْسَى مائِلَ الشَّقِ أعْزَلا

فمنَ يأتِنا أو يلقَنا عنْ جنابَةٍ ... تجدْ عندَنا مثوًى كريماً وموئلا

نجيرُ فلا يخشَى البوادِرَ جارُنا ... ولاقَى الغِنَى في دُورِنا فتموَّلا

وقال حسانٌ: الكامل

<<  <   >  >>