للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنَّ النضيرةَ ربَّةَ الخدرِ ... أسرَتْ إليكَ ولمْ تكنْ تسرِي

فوقفْتُ بالبيداءِ أسألُها ... أنَّى اهْتديْتِ لمنزلِ السفرِ

والعيسُ قد رَفضتْ أزمتَها ... ممّا ترونَ بها من الفترِ

وعلتْ مساوِيها محاسِنها ... ممّا أضرَّ بِها منَ الضُّمْرِ

كُنّا إذا ركدَ النهارُ لنا ... نغتالُهُ بنجائبٍ صعرِ

عوجٌ نواعجُ يغتلينَ بنا ... يغنينَ دونَ النصِّ بالزجرِ

مستقبلاتٍ كلَّ هاجرةٍ ... ينفخنَ في حلقٍ من الصفرِ

ومناخُها في كلِّ منزلةٍ ... كمبيتِ جونِيّ القطا الكُدْرِ

وسما على عُودٍ فعارَضَنا ... حرباؤُها أوْ هَبَّ بالخطْرِ

وتكلُّفِي اليومَ الطويلَ وقدْ ... صرتْ جنادِبُهُ منَ الظهْرِ

والليْلَةَ الظلْماءَ أدْلجُها ... بالقومِ في الديْمومةِ القفرِ

ينعى الصَّدَى فيها أخاهُ كما ... ينعى المفجَّعُ صاحبَ القبرِ

وتحولُ دونَ الكفِّ ظلمتُها ... حتى تشقَّ على الذي يسْرِي

ولقدْ أرَيْتُ الرَّكْبَ أهْلَهُمُ ... وهديْتُهُمْ بمهامةٍ غبْرِ

وبذلتُ ذا رحلِي وكنتُ بهِ ... سمحاً لهمْ في العسرِ واليُسْرِ

فإذا الحوادِثُ ما تضعضعُنِي ... ولا يضيقُ بحاجَتِي صدرِي

يُعْيِي سقاطِي من يوازنُنِي ... إنِّي لعمرُكَ لستُ بالهَذْرِ

إنِّي أكارِمُ من يكارِمُنِي ... وعلى المكاشح ينتحِي ظُفْرِي

لا أسرِقُ الشُّعَراءَ ما نَطَقُوا ... بلْ لا يوافِقُ شعرُهُمْ شعْرِي

إنِّي أبَى لِيَ ذاكَ لِي حَسَبِي ... ومقالَةٌ كمقالِع الصَّخْرِ

وأخِي منَ الجنِّ البصِيرُ إذا ... حاكَ الكلامَ بأحْسِن الحَبْرِ

أيصيرُ ما بينِي وبينكمُ صرْمٌ ... وما أحدثْتُ من هجرِ

جودِي فإنَّ الجودَ مكرُمَةٌ ... واجزِي الحُسامَ ببعضِ ما يفرِي

وحلَفْتُ لا أنْساكُمُ أبداً ... ما رَدَّ طرْفَ العينِ ذو شُفْرِ

وحلفْتُ لا أنْسَى حديثَكِ ما ... ذكر الغوِيُّ لذاذةَ الخمرِ

ولأنتِ أحْسَنُ إذْ برزْتِ لنا ... يومَ الخروجِ بساحةِ القصرِ

من دُرَّةٍ أغلى الملُوكُ بها ... مما ترببَ حائرُ البحرِ

ممكورةِ الساقيْنِ شبهُهُما ... بردِيَّتا متحيِّرٍ غمرِ

تنمِي كما تنمِي أرومَتُها ... بمحلِّ أهْلِ المجدِ والفخْرِ

يعتادُنِي شوقٌ فأذكُرها ... من غَيْرِ ما نَسَبٍ ولا صِهْرِ

كتذَكُّرِ الصَّادِي ولَيْسَ لهُ ... ماءٌ بقنَّةِ شاهِقٍ وعرِ

ولقدْ تخالسُنِي فيمنَعُنِي ... ضيقُ الذِّراعِ وعلَّةُ الخفْرِ

قومِي بنُو النجارِ هديُهُمُ ... حسَنٌ وهمْ لي حاضِرُو النصرِ

الموتُ دُونِي لستُ مهتضماً ... وذوو المكارِمِ منْ بنِي عمرو

جرثومةٌ عزٌّ مناكبُها ... كانتْ لنا في سالِف الدهْرِ

وقال حسان:

أولئكَ قومِي فإنْ تسألِي ... كرامٌ إذا الضَّيْفُ يوماً ألَمْ

عظامُ القدورِ لأيْسارِهِمْ ... يكبُّونَ فيها المسنَّ السنِمْ

يواسُونَ مولاهمُ في الغِنَى ... ويحمونَ جارَهمُ إنْ ظلِمْ

وكانُوا ملوكاً بأرْضِيهِمِ ... يبادونَ غضباً بأمرٍ غشِمْ

ملوكاً على الناسِ لمْ يملكُوا ... منَ الدهرِ يوماً كحلِّ القسَمْ

فأنبوْا بعادٍ وأشياعهِمْ ... ثمودَ وبعضِ بقايا إرَمْ

بيثرِبَ قدْ شيَّدُوا في النخيلِ ... حصوناً ودجَّنَ فيها النعَمْ

نواضِحُ قدْ علمتْها ال ... يهودُ علْ إليْكَ وقوْلاً هلُمّ

وفيما اشتهوا من عَصِيرِ القطافِ ... وعيشٍ رَخِيٍّ على غيْرِ همّ

فسارُوا إليْهِمْ بأثقالِهِمْ ... على كلِّ فحلٍ هجانٍ قطِمْ

جيادُ الخيولِ بأجنابِهِمْ ... وقدْ جللُوها ثخانَ الأدَمْ

فلما أناخُوا بجنبَيْ ضِرارٍ ... وشدُّوا السرُوجَ بليّ الحزُمْ

فما راعَهُمْ غَيْرُ معجِ الخيُو ... لِ والزَّحْفُ منْ خلفِهِمْ قدْ دهَمْ

فطارُوا شلالاً وقدْ أفزِعُوا ... وطِرنا إليهمْ كأسدِ الأجمْ

<<  <   >  >>