للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنْ أشكُرِ النُّعمى التي سلفَتْ لهُ ... فأعظِمْ بها عندي إذا ذُكرتْ يدا

تَبلَّجَ لي واهتزَّ حتى كأنّما ... هزَزْتُ بهِ للمجدِ سيفاً مُهنَّدا

أخو فجَرٍ لم يدرِ ما البخلُ ساعةً ... ولا أنَّ ذا جودٍ على البذلِ أنْفَدا

أهانَ تِلادَ المالِ للحمدِ إنّهُ ... إمامُ هُدىً يجري على ما تعوَّدا

يُشرِّفُ مجداً من أبيهِ وجدِّهِ ... وقدْ أورَثا بُنيانَ مجدٍ مُشيَّدا

شريفُ قُريشٍ حينَ يُنسبُ والذي ... أقرَّتْ لهُ بالمُلكِ كهلاً وأمْردا

وليسَ عطاءٌ كانَ في اليومِ مانِعي ... إذا عدتُ من إعطاءِ أضعافِهِ غدا

أقيمُ بحمدٍ ما أقمتُ وإنْ أبِنْ ... إلى غيرِكمْ لم أحمدِ المُتَوَرَّدا

وكم لكَ عندي من عطاءٍ ونعمةٍ ... تسوءُ عدوّاً غائبينَ وشُهَّدا

تَسُورُ بهِ عندَ العطيّةِ شِيمةٌ ... هيَ الجُودُ منهُ غيرَ أنْ يَتجوَّدا

فلو كانَ بذلُ المالِ والعُرفُ مُخْلِداً ... منَ الناسِ إنساناً لكنتَ المُخلَّدا

وقال الأحوص:

ألا نَوِّلي قبلَ الفراقِ قَذُورُ ... فقدْ حانَ من صَحبي الغَداةَ بُكورُ

نَوالَ محبٍّ غيرَ قالٍ مُودّعٍ ... وداعَ الفراقِ والزمانُ خَتُورُ

إذا أدلجتْ منكمْ بنا العِيسُ أو غدَتْ ... فلا وصْلَ إلاّ ما يُجِنُّ ضميرُ

مودّة ذي وُدٍّ تعرَّضَ دونَهُ ... تَشائي نوىً لا تُستطاعُ طَحُورُ

فإنْ تَحُلِ الأشغالُ دونَ نَوالِكُمْ ... وينأى المَزارُ فالفؤادُ أسيرُ

ويركدُ ليلٌ لا يزالُ تَطاوُلاً ... فقدْ كانَ يجلو الليلُ وهو قصيرُ

ويُسعدُنا صَرفُ الزمانِ بوَصلِكمْ ... لياليَ مَبْداكُمْ قَذُورُ حصيرُ

ونَغنى ولا نتخشى الفراقَ ونلتقي ... وليسَ علينا في اللقاءِ أميرُ

كذلكَ صرفُ الدهرِ فيهِ تَغلُّظٌ ... مِراراً وفيهِ للمُحبِّ سرورُ

إذا سُرَّ يوماً بالوِصالِ فإنّهُ ... بأسخاطِهِ بعدَ السرورِ جديرُ

لعَمرُ أبيها ما جزَتْنا بوُدِّها ... ولا شكرتْهُ والكريمُ شَكورُ

وتنأى يكادُ القلبُ يُبدي تَشوُّقاً ... لوَ انَّ اشتِياقاً للمحبِّ يَضيرُ

وتدنو فتَنْوِيلي إذا الدارُ أصفَنَتْ ... قليلٌ وعذْلٌ بعدَ ذاكَ كثيرُ

فإنْ زرتَ ليلى بعدَ طُولِ تَجنُّبٍ ... تأبَّضَ منقوصُ اليدَيْنِ غَيُورُ

يرى حسرةً أن تَصْقِبَ الدارُ مرّةً ... ولو حالَ بابٌ دونَها وسُتورُ

هجرْتُ فقالَ الناسُ ما بالُ هجْرها ... وزرتُ فقالوا ما يزالُ يزورُ

أزورُ على أنْ ليسَ ينفكُّ كلّما ... أتيتُ عدوٌّ بالبنانِ يُشيرُ

وما كنتُ زَوّاراً ولكنَّ ذا الهوى ... إذا لم يزُرْ لا بدَّ أنْ سَيزورُ

وقد أنكروا بعدَ اعتِرافٍ زيارَتي ... وقدْ وغِرَتْ فيها عليَّ صدورُ

وشطَّتْ ديارٌ بعدَ قُربٍ بأهلِها ... وعادَتْ لهمْ بعدَ الأمورِ أمورُ

ولستُ بآتٍ أهلَها غيرَ زائرٍ ... ولا زائرٌ إلاّ عليَّ نصيرُ

وقد جهِدَ الواشونَ كَيما أطيعُهمْ ... بهِجْرَتِها إنّي إذنْ لصبورُ

وقد علموا واستيْقَنوا أنَّ سُخطَهمْ ... عليَّ جميعاً في رِضاكِ يسيرُ

وقد علمَتْ أنْ لنْ أطيعَ بصُرمِها ... مَقالةَ واشٍ ما أقامَ ثَبيرُ

وأنْ ليسَ للوُدِّ الذي كانَ بيننا ... ولو سخطَتْ أخرى المَنونِ ظهورُ

لعَمرُ أبيها إنَّ كِتمانَ سِرِّها ... لها في الذي عندي لها لَيَسيرُ

وما زلتُ في الكُتمانِ أكْني بغيرِها ... فيُنْجِدُ ظنُّ الناسِ بي ويَغُورُ

أُحدِّثُ أنّي قد سلوْتُ وكلّما ... تذكّرتُها كانَ الفؤادُ يطيرُ

يقولونَ أظهِرْ صُرْمَها واجتِنابَها ... ألا وصْلُها للواصلينَ طَهورُ

أبى اللهُ أن تلقى لوَصلِكَ غِرَّةٌ ... كما بعضُ وَصلِ الغانياتِ غرورُ

تُصيبُ الهدى في حُكمِها غيرَ أنّها ... إذا حكمَتْ حُكماً عليَّ تجورُ

وما زالَ منْ قلبي لسَوْدةَ ناصرٌ ... يكونُ على نفسي لها ووزيرُ

فما مُزنةٌ بحرِيّةٌ لاحَ برقُها ... تَهلَّلَ في غُمٍّ لهُنَّ صَبِيرُ

<<  <   >  >>