جرَتْ حزَناً حتى إذا ارتدَّ لُبُّها ... إليها وأعيَتْها البُغى والمَطارفُ
تَضمَّنَها أعطانُ وادٍ وغَيْضَةٌ ... وظِلُّ كِناسٍ لاذَ بالساقِ جائفُ
بأحسنَ من جدوى ولا ضوءُ مُزنةٍ ... تَكشَّفُ في داني الغَمامةِ صايفُ
ووجْدي بها وجْدُ المُضِلِّ بعيرَهُ ... بمكّةَ لم تعطِفْ عليهِ العواطفُ
رأى من رفيقَيْهِ جَفاءً وفاتَهُ ... بفُرقَتِها المُستعجِلاتُ الخوانِفُ
وقالوا تعرَّفْها المنازلَ من مِنىً ... وما كلُّ من وافى مِنىً أنا عارفُ
ولم أنسَ منها ليلةَ الجِزعِ إذْ مشتْ ... إليَّ وأصحابي مُنِيخٌ وواقفُ
فمدَّتْ بَناناً للصِّفاحِ كأنّهُ ... بناتُ النَّقا مالَتْ بهنَّ الأحاقفُ
تُذكِّرُني جدوى على النأيِ والعِدى ... طِوالُ الليالي والحَمامُ الهواتفُ
وإلفانِ رِيعا بالفِراقِ فمنهُما ... مُجِدٌّ ومقصورٌ لهُ القَيدُ راسِفُ
فقدْ باكرَ الغادي معَ القومِ سائقٌ ... عنيفٌ وللتالي معَ القيدِ واقفُ
ومنْ يرَ جدوى كالذي قد رأيتُها ... يشُقْهُ ويجهَدُهُ إليها التكاليفُ
كصَعدَةِ مُرّانٍ جرى تحتَ ظِلِّها ... خليجٌ أمَّرَتْهُ البحورُ الزَّعارفُ
ولو بذلَتْ أنْساً لأعصَمَ عاقلٍ ... برأسِ الشَّرى قدْ حوَّذَتْهُ المخاوِفُ
لظلَّ رهيناً خاشعَ الطرْفِ حطَهُ ... تَحلُّبُ جدوى والكلامُ الطرائفُ
وما عنبٌ جَونٌ بأعلى تَبالةٍ ... خَضيدٌ أمالَتْهُ الأكُفُّ القواطفُ
بأطيبَ من فيها وما ذقتُ طعمَهُ ... ولكنّني بالطيرِ والناسِ عارفُ
فما طِيبُها وَيْ أنْ يكونَ خيالُها ... عليَّ وأمثالُ الرواةِ القذائفُ
وتَغْلِقُ دوني بابَ صُرْمٍ وراءَهُ ... لغيري كَراماتُ المُحبِّ اللطائفُ
أبِيني أتَغويلٌ علينا فتُعْتِبي ... صدودُكِ هذا أم لعينِكِ طارفُ
وما زالَ عنّا الناسُ حتى ارتَووا بنا ... وحتى قلوبٌ عن قلوبٍ صَوادفُ
وحتى رأيْنا أحسنَ الوُدِّ بينَنا ... مُساكتةً لا يَقرُفُ الشرَّ قارِفُ
ركْبٍ عِجالٍ قد تَضمَّنتُ سَيرَهمْ ... بمَهلكَةٍ تمتدُّ فيها التنائفُ
فلاةِ فلاً لَمّاعةٍ من يَجُرْ بها ... عنِ القَزْدِ تجحفْهُ المنايا الجواحفُ
تناديهمْ والليلُ داجٍ وقدْ مضتْ ... برُكبانِهنَّ المُعْجِلاتُ الخَوانفُ
بحَيِّ هلا يتْبَعْنَ حرفاً زوى ... أمامَ المطايا سدْوُها المتقاذِفُ
تَقاذُفُ رَوْحاوَيْنِ يطَّرِدانِها ... تُباريهما حتى يَسَلَّ المُسالِفُ
تُحاذرُ أنَّى دارَ سَوْطِي بمُقلةٍ ... مُسيّرةٍ خوفٍ طَرفُها مُتشادِفُ
كقارورةِ العطّارِ في مُطمئِنِّها ... بقيّةُ أحوى صفَّقَ الماءَ ناصِفُ
دموعُ المآقي في خشاشٍ مُذكّرٍ ... لمُفتَرَعِ اللحْيَيْنِ فيها نَفانفُ
صُهابِيّةٌ ما بينَ مَقْبِصها إليَّ ... للمُستوي منها مَرَدٌ نفاِفُ
وقال مُزاحم أيضاً:
نظرْتُ وصُحبَتي بقصورِ حَجْرٍ ... برَيّا الطرْفِ غائرةَ الحِجاجِ
إلى ظُعُنِ الفُضَيلةِ طالعاتٍ ... خصورَ الرملِ واردةَ الهَماجِ
وتحتي من بناتِ العيدِ نِقْصٌ ... أضَرَّ بنَيِّهِ سَيرٌ هَجاجِ
إذا ما السوطُ شمَّرَ حالبَيْهِ ... وقلَّصَ بدْنَهُ بعدَ انحِضاجِ
رأيتَ دَسيعةً للرَّحلِ منهُ ... على دَحَمٍ مُخَوِّيةِ الفِجاجِ
ومَوماةٍ كظهرِ الترسِ تحمي ... تَماحُلَ بِيدِها خُدْلُ النعاجِ
بها يقعُ السحابُ بغيرٍ أُنسٍ ... ويُلْقحُ وحشَها بعدَ النتاجِ
قطعْتُ إذا القوارعُ أرَّقتْني ... بسَدْوِ مُقدِّمِ الضبعَيْنِ ناجِ
خَروجِ المنكِبَيْنِ منَ المطايا ... إذا ما قيلَ للشُّجُعاتِ عاجِ
كأنَّ زِمامَهُ يُثنى إلينا ... قناةُ رُدَيْنةٍ ذاتُ اعوجاجِ
كأنَّ ندى نوابعِ أخدعَيْهِ ... عصيرُ صنوبرٍ ذَفِرِ المُجاجِ
تَحدَّرَ من مُرَيْئِشةٍ تراها ... كعِفْرِيَةِ الغَيورِ من الدجاجِ
تقدَّمَ سَدْوَ لاحقةٍ أبُوضٍ ... تأطَّرَ خلفَها غيرَ انشِناجِ