كأنَّ ديارَ الحيِّ من بعدِ أهلِها ... كتابٌ بنِقْسٍ زيَّنتْهُ القَراطسُ
عفا ونأى عنها الجميعُ وقد تُرى ... كواعبُ أترابٌ بها وعوانسُ
يقُدْنَ بأسبابِ الصَّبابةِ والهوى ... رجالاً وهنَّ الصالحاتُ الشوامسُ
فهلْ أنتَ بعدَ الصُّرْمِ منْ أمِّ بَهْدَلٍ ... منَ الموئسِ النائي المودّةِ آيسُ
يُبَدِّلْنَ بعدَ الحِلمِ جهلاً ذوي النُّهى ... ويصبو إليهنَّ الغوِيُّ المؤانسُ
تَبَيَّتُ بالدَّهناءِ والدوِّ أنّهُ ... هوَ البَينُ منها أثْبَتَتْهُ الكوادِسُ
فأسمحَتْ إسماحاً وللصُّرمِ راحةٌ ... إذا الشكُّ ردَّتْهُ الظنونُ الكوابسُ
وما وَصْلُها إلاّ كشيءٍ رُزِيتَهُ ... إذا اختلستْهُ من يدَيكَ الخوالسُ
تركتُ جريراً ما يُغيِّرُ سَوأةً ... ولا تتوقّاهُ الأكُفُّ اللوامسُ
رأسْتُ جريراً بالتي لم يَحلُّها ... بنقضٍ ولا يُنضيكَ إلاّ الروابسُ
أبالخَطَفى وابنَيْ مُعيدٍ ومُعرِضٍ ... ولَوسِ الخُصى يا بنَ الأتانِ تُقايسُ
جَعاسِيسُ أنذالٌ رُذولٌ كأنّما ... قضاهُمْ جريرُ بنُ المراغةِ واكِسُ
وجَدَّعَهُ آباءُ لؤمٍ تقابَلوا ... بهِ وافتلَتْهُ الأمّهاتُ الخسائسُ
جرَيْتَ ليربوعٍ بشؤمٍ كما جرى ... إلى غابةٍ قادَتْ إلى الموتِ داحِسُ
وتحبِسُ يربوعٌ عنِ الجارِ نفعَها ... وليسَ ليربوعٍ من الشرِّ حابسُ
همُ شَقْوةُ الغريبِ قِدماً فلا بنى ... بساحَتِهمْ إلاّ سَروقٌ وبائسُ
ومنزلُ يربوعٍ إذا الضيفُ آبَهُ ... سواءٌ عليهِ والقِفارُ الأمالسُ
فبئسَ صريخُ المُرْدفاتِ عشيّةً ... وبئسَ مُناخُ الضيفِ والماءُ جامِسُ
تُمسِّحُ يربوعاً سِبالاً لئيمةً ... بها من منيِّ العبدِ رطبٌ ويابسُ
عَصيمٌ بها لا يرضخُ الموتُ عارَهُ ... ولو درَجَتْ فوقَ القبورِ الروامسُ
إذا ما ابنُ يربوعٍ أتاكَ مُخالساً ... على مأكلٍ إنَّ الأكيلَ مُخالسُ
فقلْ لابنِ يربوعٍ ألستَ بداحضٍ ... سِبالَكَ عنّي إنهُنَّ مَناحسُ
فجِبتُ لما لاقتْ رياحٌ من الشَّقا ... وما اقتبَسوا منّي وللشرِّ قابسُ
غضاباً لكلبٍ من كُلَيْبٍ فرَسْتُهُ ... عوى ولشدّاتِ الأسودِ فرائسُ
فذوقوا كما لاقَتْ كُلَيْبٌ فإنّما ... تَعِسْتَ وأردَتْكَ الجودُ النواعسُ
فما ألبسَ اللهُ امرءاً فوقَ جِلدِهِ ... من اللؤمِ إلاّ ما الرِّياحي لابسُ
عليهمْ ثيابُ اللؤمِ ما يُخلِقُونَها ... سرابيلُ في أعناقِهمْ وبَرانسُ
فخَرْتُمْ بيومِ المُرْدَفاتِ وأنتمُ ... عشيّةَ يُسْتَرْدَفْنَ بئسَ الفوارسُ
كأنَّ على ما تجتَلي من وجوهِها ... عَنِيّةَ قارٍ جلَّلَتْها المَعاطسُ
ولاقَيْنَ بؤساً من رِدافِ كتيبةٍ ... وقَبلَ رِدافِ الجيشِ هنَّ البوائسُ
ومنّا الذي نجّى بدِجلةَ جارَهُ ... حِفاظاً ونجَّتْهُ القُرومُ الضَّوارسُ
ونحنُ قتلْنا مَعقِلاً وابنَ مُرْسَلٍ ... بمُرهفَةٍ تُعلى بهنَّ القَوانسُ
وعَمْراً أخا دُودانَ نالَتْ رماحُنا ... فأصبحَ منّا جَمعُهُ وهْوَ بائسُ
ونحنُ منعْنا بالكُلابِ نساءَكمْ ... وقُمنا بثَغرِ الجوفِ إذْ أنتَ حالسُ
وضَبَّةُ لدَّتْكَ المنيَّ فأنجزَتْ ... لكَ الغيظَ يومَ الأحوَزِينَ مُقاعسُ
وقال عمر بن لجأ يرد على جرير:
ما بالُ عينِكَ لا تريدُ رقودا ... منْ بعدِما هجعَ العيونُ هُجودا
ترعى النجومَ كأنّها مطروفةٌ ... حتى رأيتَ منَ الصباحِ عَمودا
والليلُ يطردُهُ النهارُ ولا أرى ... كالليلِ يطرُدهُ النهارُ طَريدا
وتراهُ مثلَ الليلِ مالَ رِواقُهُ ... هتَكَ المُقوِّضُ كِسْرَهُ المَمدودا
فاشتَقْتُ بعدَ ثُواءِ ستّةِ أشهرٍ ... والشوقُ قد يدعُ الفؤادَ عَميدا
فارتَعْتُ للظُّعُنِ التي بمُبايضٍ ... بكَرَتْ تُنَشِّرُ كِلّةً وبُجودا
حتى احتملْنَ وقد تقدّمَ سارحٌ ... للحيِّ سارَ أمامَهنَّ بَريدا
غُرُّ المحاجرِ قد لبسْنَ مَجاسداً ... بينَ الحُمولِ تجرُّها وبُرودا