وإذ قالَتا زَورٌ مُغِبٌّ زيارةً ... وقدْ ظلَّ يومٌ للمَطِيِّ عَصيبُ
وقائلةٍ هذا حُمَيدٌ وإنْ ترى ... بحَلْيَةَ أو وادي قناةَ عجيبُ
فلا تأمَنا أنْ يعدوا النأيُ منكما ... ولا بُعدَ نأيٍ إنْ ألَمَّ حَبيبُ
تقولانِ طالَ النأيُ أو نُحصيَ الذي ... نأيْناكَ إلاّ أنْ يَعُدَّ لَبيبُ
بلى فاذكُرا عامَ اجتَوَرْنا وأهلُنا ... مَدافعَ دارا والجنابُ خَصيبُ
لياليَ أبصارُ الغواني وسَمعُها ... إليَّ وإذْ رِيحي لهنَّ حَبيبُ
وإذْ ما يقولُ الناسُ شيء مُهوّنٌ ... عليَّ وإذْ غصنُ الشبابَ رَطيبُ
وإذْ شَعَري ضافٍ ولونيَ مُذْهَبٌ ... وإذْ ليَ من ألبابِهِنَّ نَصيبُ
فأضحى الغواني قد سئمْنَ هَزالَتي ... وأجلَيْنَ لمّا راعَهُنَّ مَشيبُ
وقدْ كُنَّ بعضَ الدهرِ يَهوَيْنَ مَجلسي ... وجِنِّي إلى جِنانِهِنَّ حَبيبُ
إذا الرأسُ غِرْبيبٌ أحَمٌّ سَوادُهُ ... ومُذهَبُ ألوانٍ عليَّ مَجوبُ
فلا يُبعدُ اللهُ الشبابَ وقولَنا ... إذا ما صبَونا صَبوةً سَنَتوبُ
جرَتْ يومَ رُحنا عَوْهَجٌ لا شَخاصةٌ ... نَوارٌ ولا رَيّا الغزالِ لَحيبُ
منَ الأدْمِ أمّا خدُّها حينَ أتْلعَتْ ... فصلْتٌ وأمّا خلْقُها فسَليبُ
مُوشَّحةُ الأقرابِ كالسيفِ صَقْلُها ... بها منْ وِحامٍ لَوحةٌ وذُبوبُ
ذكرتُكِ لمّا أتلعَتْ من كِناسِها ... وذِكرُكِ سبّاتٍ إليَّ عَجيبُ
فقلتُ على اللهِ لا يدعُوانِها ... وقدْ أوَّلَتْ أنَّ اللقاءَ قريبُ
وأنَّ الذي مَنّاكَ أنْ تُسعِفَ النَّوى ... بها يومَ رَعْنَيْ صارةٍ لَكَذوبُ
وما نَوَّلَتْ من طائلٍ غيرَ أنّها ... جَوىً فالهوى يُلوي بنا ويُهيبُ
فأنتَ جَنيبٌ للهوى يومَ عاقلٍ ... ويومَ نِضادِ النِّيرِ أنتَ جَنيبُ
أظلُّ كأنّي شاربٌ بمُدامةٍ ... لها في عِظامِ الشاربينَ دَبيبُ
رَكودُ الحُميّا قهوةٍ شابَ ماؤُها ... لها من عُقاراتِ الكُرومِ رَبيبُ
إذا استُوكِفَتْ باتَ الغَوِيُّ يَسوفُها ... كما جَسَّ أحشاءَ السَّقيمِ طَبيبُ
وداوِيّةٍ ظلَّتْ بها الشمسُ حاسراً ... كما لاحَ في رأسِ اليَفاعِ رَقيبُ
إذا صمَحَتْ رَكْباً ولو كانَ فوقَهمْ ... عَمائمُ خَزٍّ سابعٍ وسُهوبُ
أناخَتْ بهمْ أو كادَ أنْ لم يُوايُلوا ... إلى عُصَرٍ هامُ الرجالِ تَذُوبُ
ظَلِلْنا إلى كهفٍ وظلَّتْ رِكابُنا ... إلى مُسْتَكِفّاتٍ لهنَّ غُروبُ
إلى شجرٍ ألْمى الظِّلالِ كأنّها ... رَواهبُ أحرَمْنَ الشرابَ عُذوبُ
كَفاني بها دِرعٌ منَ الليلِ سابغٌ ... وصهباءُ للحاجِ المُهِمِّ طَلوبُ
رِتاجُ الصَّلا مَعْرُشَةُ الزَّورِ تَغتَلي ... لها عُسُبٌّ تعلو بها فتَصوبُ
إذا وُجِّهَتْ وجهاً أنابَتْ مُدِلّةً ... كذاتِ الهوى بالمِشفرَينِ لَعوبُ
كما انقضَبَتْ كَدْراءُ تسقي فِراخَها ... بشَمْظَةَ رِفْهاً والمياهُ شُعوبُ
غدَتْ لمْ تَصعَّدْ في السماءِ وتحتَها ... إذا نظرَتْ أُهْوِيَّةٌ وصُبوبُ
قرينةُ سبْعٍ إنْ تواترْنَ مرّةً ... ضربْنَ فصدَّتْ أرْؤُسٌ وجُنوبُ
ثمانٍ بأستارِينَ ما زِدنَ عِدّةً ... غدَوْنَ قُراناً ما لهنَّ جَنيبُ
وقعْنَ بجُوفِ الماءِ ثُمَّتَ صوَّتَتْ ... بهنَّ قَلْولاةُ الغُدوِّ ضَريبُ
على أحوذِيَّيْنِ استقلَّتْ عليهما ... نجاةٌ تَبدّا تارةً وتَغيبُ
فجاءَتْ وما جاءَ القَطا ثمَّ شمَّرتْ ... لمَفْحَصِها والوارداتُ تَلوبُ
فجاءَتْ ومَسقاها الذي وردَتْ بهِ ... إلى الزَّورِ مِدودُ الوثاقِ كَتيبُ
تَغيثُ بهِ زُغْباً مساكينَ دونَها ... مَلاً ما تخطّاهُ العيونُ رَغيبُ
جعلْنَ لها حزناً بأرضٍ تَنوفةٍ ... فما هيَ إلاّ نهلةٌ فوُثوبُ
تَواطَنَّ تَوطينَ الرِّهانِ وقلَّصَتْ ... بهنَّ سَرَنْداةُ الغُدوِّ سُروبُ
وقال حميد بن ثور:
وأغبرَ تُمسي العيسُ قبلَ تَمامِها ... تَهادى بهِ التُّرْبَ الرياحُ الزَّعازعُ