تلقى إذا انْجرمَ الشتاءُ سِباعَها ... ونَعامَها قِطَعاً بها لا تُذعرُ
سئموا الرِّحالَ بها فقالوا نَزْلَةً ... فأقولُ ليسَ بما ترَونَ مُعصَّرُ
كائنْ حسَرْنا دونَكمْ منْ طالحٍ ... رَوعاءُ يَنقُرُها الغرابُ الأعوَرُ
بسواءِ مَجمعَةٍ كأنَّ أمارَةً ... منها إذا برزَتْ فَنيقٌ يَخطِرُ
ولقدْ أرانا نعتَلي برِحالِنا ... زَهراءَ تَجتابُ الفَلاةَ وأزهَرُ
كعَجاجةِ الوادي يَراحُ شَلِيلَهُ ... غَوجُ الجِرانِ غَدَوْدَنِيٌّ مِعْوَرُ
أجُدٌ مُداخَلَةٌ وآدمُ مُصْلَقٌ ... كَبداءُ لاحقةُ الرَّحا وشَمَيْذَرُ
مثلُ الحجارةِ لحمُهُ وعِظامُهُ ... مثلُ الحديدِ وجِلدُهُ يتمَرْمَرُ
تمشي العُجَيْلى من مخافةِ شَدْقَمٍ ... يمشي الدِّفَفَّى والخَنِيفَ ويَضْبِرُ
وإذا تُبادرُهُ الطريقُ رأيْتها ... زَوراءَ عنهُ وهْوَ عنها أزْوَرُ
وإذا تُراعُ رمَتْ بها رَوْعاتُها ... حتى يميلَ بها النِّجادُ المُدْبِرُ
وإذا احْزألاّ في المناخِ رأيتَهُ ... كالطودِ أفْردَهُ العَماءُ المُمطِرُ
حتى إذا طالَ السِّفارُ عليهما ... زُجرَتْ وظلَّ مُصانِعاً لا يُزجَرُ
تَهوي بأشعثَ قدْ وهى سِربالُهُ ... بَعثٍ تُؤرِّقُهُ الهمومُ فيسهَرُ
قدْ لاحَهُ عُقَبُ النهارِ فسيَّرَهُ ... بالفَرقدَيْنِ كما يُلاحُ المِسعَرُ
نضعُ الزيارةَ حيثُ لا يُزري بنا ... شرفُ الملوكِ ولا يَخيبُ الزُّوَّرُ
يا بنَ الخليفةِ ثمَّ أنتَ خليفةٌ ... وخليفةٌ ما أنتَ إذْ تَتخيَّرُ
بَحرانِ تنتسبُ البحورُ إليهما ... لا بحرَ بعدَهما يُهارُ ويُغمَرُ
أنتمْ أَسِدّةُ كلِّ ثغرٍ خائفٍ ... وخلائفُ اللهِ التي تَتخيَّرُ
إنَّ المنيّةَ حينَ أُرسلَ سهمُها ... لأبي الوليدِ قدَ انفذَتْ ما تُؤمَرُ
ويلُ الجبالِ ألا تبوحُ لفَقدِهِ ... ولصخرِهنَّ الصمِّ لا تَتحدَّرُ
إنَّ الجبالَ ولوْ بكَيْنَ لهالِكٍ ... يوماً رأيتَ صِلابَها تَستعْبِرُ
وقال حُميد بن ثور:
على طلَلَيْ جُمْلٍ وقفْتَ ابنَ عامرٍ ... وقد كنتَ تُفْدى والمزارُ قريبُ
وقد عُجتَ في رَبعَينِ جرَّتْ عليهما ... سِنونٌ وعادَتْ أمْرُعٌ وجُدوبُ
أرَبَّتْ رياحُ الأخرجَيْنِ عليهما ... ومُستحلَبٌ من ذي البُراقِ غريبُ
دُقاقَ الحصى ممّا تُسَدِّي مُرِبَّةٌ ... لها بنُسالِ الصِّلِّيانِ دَبيبُ
بمُختلَفٍ من رادَةٍ وصقالَها ... بنَعْفٍ تُغاديها الصَّبا وتَؤوبُ
فلمْ يدَعِ العصْرانِ إلاّ بقيّةً ... من الدارِ تبكي فيهِما وتَحوبُ
فحيِّ ربوعَ الجارتَينِ ولا أرى ... مَغانيَ دارِ الجارتَينِ تُجيبُ
عفَتْ مثلَ ما يعفو الطَّلِيحُ فأصبحَتْ ... بها كبرياءُ الصعْبِ وهْيَ رَكوبُ
كأنَّ الرِّعاثَ والنطافَ تصَلْصَلَتْ ... لياليَ جُمْلٌ للرجالِ خَلوبُ
بوحشيّةٍ أمّا ضواحي مُتونِها ... فمُلْسٌ وأمّا كَشْحُها فقَبيبُ
خلَتْ بالضواحي من أعالي لَجِيفةٍ ... وليسَ بَبْرحٍ فالبُلَيُّ عَرِيبُ
ألثَّتْ عليها دِيمةٌ بعدَ وابلٍ ... فلِلجزعِ من جَوحِ السيولِ قَسيبُ
فأخْلَسَ منها البقلَ لوناً كأنّهُ ... عليلٌ بماءِ الزعفرانِ ذَهيبُ
منَ العالقاتِ المَرْدَ يعلو كِناسَها ... حمامُ بلادٍ مُعْلَمٌ وغريبُ
فَفُوها خَضِيبٌ بالبَرِيرِ وسِنُّها ... بهِ من تآشيرِ الغصونِ غُروبُ
تُراعي طَلاً من ليلتَينِ تلبَّسَتْ ... بهِ النفسُ حتى للفؤادِ وجِيبُ
يَجُورُ بمَدْرِيَّتَيْنِ قد غاضَ منهما ... شديدُ سوادِ المُقلتَينِ نَجيبُ
على مثلِ حُقِّ العاجِ تَهمي شِعابُهُ ... بأسمرَ يحلَوْلِي لنا ويطيبُ
فلمّا غدَتْ قد قلَّصَتْ غيرَ حُشوةٍ ... من الجوفِ منها عُلَّفٌ وخُضوبُ
رأتْ مُستَجيراً فاشرأَبَّتْ لشخصِهِ ... بمَحْنيةٍ يبدو لها ويغيبُ
جُنِنْتَ بجُمْلٍ والنحيلةِ إذْ هما ... كهَمِّكَ بِكرٌ عاتقٌ وسَلوبُ