وإنِّي لأعطي غثَّها وسمينها ... وأسري إذا ما الليلُ ذو الظُّلمةِ ادلهمْ
إذا الثَّلجُ أضحى في الدِّيارِ كأنَّهُ ... مناثرُ ملحٍ في السُّهولِ وفي الأكمْ
حذاراً على ما كانَ قدَّمَ والدي ... إذا روّحتهمْ حرجفٌ تطردُ الصِّرمْ
وأتركُ ندماني يجرُّ ثيابهُ ... وأوصالهُ من غيرِ جرحٍ ولا سقمْ
ولكنَّها من ريَّةٍ بعدَ ريَّةٍ ... معتَّقةٍ صهباءَ راووقُها رذمْ
من الغالياتِ من مدامٍ كأنَّها ... مذابحُ غزلانٍ يطيبُ بها النَّسمْ
وإذ إخوتي حولي وإذ أنا شامخٌ ... وإذ لا أطيعُ العاذلاتِ من الصَّممْ
ألمْ يأتها أنِّي صحوتُ وأنَّني ... تحلَّمتُ حتَّى ما أعارمُ من عرمْ
وأطرقتُ إطراقَ الشُّجاعِ ولو يرى ... مساغاً لنابيْه الشُّجاعُ لقدْ أزمْ
أرادت عراراً بالهوانِ ومن يردْ ... عراراً لعمري بالهوانِ فقدْ ظلمْ
فإن عراراً إن يكن غير واضح ... فإني أحبُّ الجون ذا المنكب العمم
فإنَّ عراراً إن يكن ذا شكيمةٍ ... تقاسينها منه فما أملكُ الشِّيمْ
فإنْ كنتِ منِّي أو تريدينَ صحبتي ... فكوني له كالسَّمنِ ربَّتْ له الأدمْ
وإلا فسيري مثلَ ما سارَ راكبٌ ... تيمَّمَ خمساً ليسَ في سيرهِ يتمْ
وقد علمتْ سعدٌ بأنِّي عميدها ... قديماً وإنِّي لستُ أهضمُ من هضمْ
خزيمةُ ردَّاني الفعالَ ومعشرٌ ... قديماً بنوا لي سورةَ المجدِ والكرمْ
وقال عمرو بن شأسٍ:
قفا تعرفا بينَ الرَّحى فقراقرٍ ... منازلَ قد أقوينَ من أمِّ نوفلِ
تهادتْ بها هوجُ الرِّياحِ كأنَّما ... أجلنَ الذي استودعنَ منها بمنخلِ
منازلُ يبكينَ الفتى فكأنَّما ... تسحُّ بغربيْ ناضحٍ فوق جدولِ
يسحّانِ ماءَ البئرِ عن ظهرِ شارفٍ ... بأمراسِ كتّانٍ وقدٍّ موصَّلِ
كما سال صفوانٌ بماءِ سحابةٍ ... علتْ رصفاً واستكرهتْ كلَّ محفلِ
تراءتْ لنا جنِّيَّةٌ في مجاسدٍ ... وثوبيْ حريرٍ فوقَ مرطٍ مرحَّلِ
وأهللتُ لما إنْ عرفتُ بأنَّهُ ... على الشَّحطِ طيفٌ من حبيبٍ مؤمّلِ
وحلَّتْ بأرضِ المنحنى ثمَّ أصعدتْ ... بعقدةَ أو حلَّتْ بأرضِ المكلَّلِ
يحلُّ بعرقٍ أو يحلُّ بعرعرٍ ... ففاءتْ مزارَ الزّائرِ المتدلِّلِ
وخرقٍ كأهدامِ العباءِ قطعتهُ ... بعيدَ النِّياطِ بينَ قُفٍّ وأرملِ
بناجيةٍ وجناءَ تستلبُ القطا ... أفاحيصهُ زجري إذا التفتتْ حلي
ونحنُ قعودٌ في الجلاميدِ بعدما ... مضى نصفُ ليلٍ بعدَ ليلٍ مليَّلِ
لقطنَ من الصَّحراءِ والقاعِ قُرزحاً ... له قبصٌ كأنها حبُّ فلفلِ
إذا صدرتْ عن منهلٍ بعدَ منهلٍ ... إلى منهلٍ تردي بأسمرَ معملِ
لها مقلتا وحشيَّةٍ أمِّ جؤذرٍ ... وأتلعُ نهّاضٌ مقلَّدُ جلجُلِ
إلى حاركٍ مثلِ الغبيطِ وتامكٍ ... على صلبها كأنَّهُ نصبُ مِجدلِ
وإنِّي لأشوي للصِّحابِ مطيَّتي ... إذا نزلوا وحشاً إلى غيرِ منزلِ
فباتوا شباعاً يدهنونَ قسيَّهمْ ... لهمْ مجلدٌ منها وعلَّقتُ أحبلي
وأضْحتْ على أعجازِ عوجٍ كأنَّها ... قسيُّ سراءٍ قُرِّمتْ لم تعطَّلِ
وعرجلةٍ مثلِ السُّيوفِ رددتها ... غداةَ الصَّباحِ بالكميّ المجدَّلِ
وأيسارِ صدقٍ قد أفدتُ جزورهمْ ... بذي أودٍ خبشِ المذاقةِ مسبلِ
حسّانُ الوجوهِ ما تذمُّ لحامهمْ ... إذا النّاسُ حلُّوا جزعَ حمضٍ مجذَّلِ
وألوتْ بريعانِ الكنيفِ وزعزعتْ ... رؤوسَ العضاه من نوافح شمألِ
ترى أثرَ العافينَ حولَ جفانهمْ ... كما اختلفتْ وِرداً مناسمُ همَّلِ
على حوضها بالجوِّ جوّ قُراقرٍ ... إذا رويتْ من منهلٍ لم تحوَّلِ
ألا تلكَ أخلاقُ الفتى قد أتيتها ... فلا تسألوني واسألوا كلَّ مُبتلي
غداةَ بني عبسٍ بنا إذ تنازلوا ... بكلِّ رقيق الحدِّ لم يتفلَّلِ
من الحيّ إذ هرَّتْ معدٌّ كتيبةً ... مُظاهرةً نسجَ الحديدِ المُسربلِ
إذا نزلتْ في دارِ حيٍّ برتهمُ ... وأحمتْ عليهمْ كلَّ مبدًى ومنهلِ