حتَّى لحقنَ وقدْ مالَ الأميلُ بهِ ... فكرَّ بالخلِّ إذْ أدركنهُ غضَبا
مجرُّ في حدِّ روقيهِ سوابقُها ... ولا يمسُّ لقرنٍ جرَّهُ سلَبا
حتَّى إذا ذادَها عنهُ وقطَّعها ... طعنٌ يصيبُ بهِ الحيَّاتِ والقصَبا
ولَّى سريعاً مدلاً غيرَ مكترثٍ ... يعلو العدابَ وروقاهُ قدِ اختضَبا
أقبلتُ ترفعُني أرضٌ وتخفضُني ... إلى الأغرِّ جبيناً والأغرِّ أبَا
إلى سليمانَ خيرِ النَّاسِ عارفةً ... وأسرعِ النَّاسِ إدراكاً لِما طلَبا
وقال الكميت أيضاً:
ألا حيِّيا بالتَّلِّ أطلالَ دمنةٍ ... وكيفَ تُحيَّا المنزلاتُ البلاقِعُ
حننتَ غداةَ البينِ مِن لوعةِ الهوى ... كما حنَّ مقصورٌ لهُ القيدُ نازِعُ
وظلَّتْ لعيني قطرةٌ مرحتْ بها ... على الجفنِ حتَّى قطرُها متتايِعُ
وليسَ بناهي الشَّوقِ عنْ ذي صبابةٍ ... تذكَّر إلفاً أنْ تفيضَ المدامِعُ
وقدْ لحَّ هذا النَّأيُ حتَّى تقطَّعتْ ... حبالُ الهوى والنَّأيُ للوصلِ قاطِعُ
وما أكثرَ التَّعويلُ إلاَّ لحاجةٌ ... وما السِّرُّ بينَ النَّاسِ إلاَّ ودائِعُ
نقولُ بمرجِ الدَّيرِ إذْ صحبَتي ... تعزَّوا وقدْ أيقنتُ أنِّي جازِعُ
وما مغزلٌ أدماءُ مرتعُ طفلِها ... أراكٌ وسدرٌ بالمِراضينِ يانِعُ
بأحسنَ منها إذْ تقولُ لتربِها ... سليهِ يخبِّرنا متى هو راجِعُ
فقلتُ لها واللهِ ما مِن مسافرٍ ... يحيطُ لهُ علمٌ بما اللهُ صانِعُ
فصدَّتْ كما صدَّتْ شموسٌ حبالُها ... مدى الفوتِ لمْ يقدرْ عليها الأصابِعُ
وقالتْ لقدْ بلاّكَ أنْ لستَ زائلاً ... يجوبُ بكَ الخرقَ القلاصُ الخواضِعُ
فقلتُ لها الحاجاتُ يطلبُها الفتى ... فعذرٌ يُلاقي بعدَها أو منافِعُ
أقولُ لندمانيَّ والحزنُ دونَنا ... وشمُّ العوالي مِن جفافٍ فوارِعُ
أنارٌ بدتْ بينَ المسنَّاةِ والحِمى ... لعينكَ أم برقٌ تلألأ لامِعُ
فإنْ تكُ ناراً فهيَ نارٌ يشبُّها ... قلوصٌ وتزهاها الرِّياحُ الزَّعازِعُ
وإنْ يكُ برقاً فهوَ برقُ سحابةٍ ... لها ريِّقٌ لنْ يخلفَ الشَّيمَ رائِعُ
ألمْ تعلَمي أنَّ الفؤادَ يصيبهُ ... لذكراكِ أحياناً على النَّأي صادِعُ
فيلْتاثُ حتَّى يحسبَ القومُ أنَّهُ ... بهِ وجعٌ أو أنَّهُ متواجِعُ
سقتكِ السَّواقي المدجناتُ على الصّبا ... أثيبي محبّاً قبلَ ما البينُ صانِعُ
فقدْ كنتِ أيَّامَ الفراتِ قريبةً ... مجاورةً لو أنَّ قربكِ نافِعُ
وقدْ زعمتْ أمُّ المهنَّدِ أنَّني ... كبرتُ وأنَّ الشَّيبَ في الرَّأسِ شائِعُ
وما تلكَ إلاَّ روعةٌ في ذؤابَتي ... وأيُّ فتاءٍ لمْ تصبهُ الرَّوائِعُ
وإنِّي وإنْ شابتْ مفارقُ لمَّتي ... لكالسَّيفِ أفنى جفنهُ وهوَ قاطِعُ
يصانُ إذا ما السِّلمُ أدجى قناعهُ ... وقد جرِّبتْ في الحربِ منهُ الوقائِعُ
ولستُ بجثَّامٍ يبيتُ وهمُّهُ ... قصيرٌ وإنْ ضاقتْ عليهِ المضاجِعُ
إذا اعْتقتْني بلدةٌ لمْ أكنْ لها ... نسيباً ولمْ تسدفْ عليَّ المطالِعُ
وظلماءَ مذكارٍ كأنَّ فروجَها ... قبائلُ مسحٍ أترَصتهُ الصَّوانِعُ
نصبتُ لها وجهي وصدرَ مطيَّتي ... إلى أنْ بدا ضوءٌ منَ الصُّبحِ ساطِعُ
لأُبلي عذراً أو لأسمعَ حجَّةً ... عنيتُ بها والمنكرُ الضَّيمَ دافِعُ
وكنتُ امرءاً من خيرِ جحوانَ عطِّفتْ ... عليَّ الرَّوابي منهمُ والفوارِعُ
نمتْني فروعٌ من دثارِ بنِ فقعسٍ ... ومِن نوفلٍ تلكَ الرّؤوسُ الجوامِعُ
فيا أيُّها القومُ الألى ينبحونَني ... كما نبحَ اللَّيثُ الكلابُ الضَّوارِعُ
فلا اللهُ يشفي غيظَ ما في صدورهمْ ... ولا أنا إنْ باعدتمُ الودَّ تابِعُ
وإنِّي على معروفِ أخلاقي التي ... أُزايلُ مِن ألقابِها وأُجامِعُ
لذو تُدرإٍ لا يغمزُ القومُ عظمهُ ... بضعفٍ ولا يرجونَ ما هوَ مانِعُ
وما قصَّرتْ بي همَّتي دونَ رغبةٍ ... ولا دنَّستني مذْ نشأتُ المطامِعُ