وإنِّي إذا ضاقتْ عليكم بيوتكمْ ... ليعلمَ قومي أنَّ بيتيَ واسِعُ
فيلجأُ جانيهمْ إلينا وتنتهي ... إلينا النُّهى مِن أمرهمْ والدَّسائِعُ
وما مِن بديعاتِ الخلائقِ مخزياً ... إذا كثرتْ في المُحدثينَ البدائِعُ
وما لامَ قومي في حفاظٍ شهدتهُ ... نِضالي إذا لمْ يأتلِ الغلوَ نازِعُ
وما زلتُ محمولاً عليَّ ضَغينة ... ومطَّلعُ الأضغانِ مذْ أنا يافِعُ
إلى أنْ مضتْ لي الأربعونَ وجرِّبتْ ... طبيعةُ صلبٍ حينَ تُبلى الطَّبائِعُ
جريتُ أفانينَ الرِّهانِ فما جرى ... معي معجبٌ إلاَّ انتهى وهو ظالِعُ
لنا معقلٌ في كلِّ يومِ حفيظةٍ ... إذا بلغتْ طولَ القُنيّ الأشاجِعُ
وقائدِ دهمٍ قدْ حوتهُ رماحُنا ... أسيراً ولو يحوينهُ وهو طائِعُ
فللسَّيْئِ في أطلالهنَّ مهابةٌ ... وللقومِ في أطرافهنَّ مصارِعُ
لقومي عليَّ الطَّولُ والفضلُ إنَّني ... إذا جمعتْني والخطوبُ المجامِعُ
وهمْ عدَّتي في كلِّ يومِ كريهةٍ ... وأقرانُ أقراني الذينَ أُصارِعُ
خُلقنا تِجاراً بالطِّعانِ ولمْ نكنْ ... تِجارَ ملاءٍ نشتري ونبايِعُ
وقال الكميت أيضاً:
أرقتُ بأرضِ الغورِ مِن ضوءِ بارقٍ ... سرى موهناً في عارضٍ متتايِعِ
يضيءُ لنا والغورُ دونَ رحالِنا ... خزازُ فأعلى منعجٍ فمتالِعِ
كأنَّ سناهُ ذبُّ أبلقَ يتَّقي ... أذى البقِّ عن أقرابهِ بالأكارِعِ
فبتُّ ولمْ يشعرْ بذاكَ صحابَتي ... مريضاً لعدَّاتِ الهمومِ النَّوازِعِ
وهلْ يُمرضُ الهمُّ الفتى عندَ رحلهِ ... أمونُ السُّرى كالمحنقِ المتدافِعِ
غُريريَّةُ الأعراقِ مفرعةُ القَرى ... جُماليَّةٌ أدماءُ مجرى المدامِعِ
نهوزٌ بلحيَيْها إذا الأرضُ رقرقتْ ... نضائضَ ضحضاحٍ منَ الأرضِ مائِعِ
لقدْ طرقتْنا أمُّ بكرٍ ودونَنا ... مراحٌ ومغدًى للقلاصِ الضَّوابِعِ
بريحِ خُزامى طلَّةٍ نفحتْ بها ... منَ اللَّيلِ هبَّاتُ الرِّياحِ الزَّعازِعِ
وكيفَ اهتدتْ تسري انقضٍ رذيَّةٍ ... وطلحٍ بأعلى ذي أطاويح هاجِعِ
سرى موهناً مِن ليلةٍ ثمَّ وقَّعتْ ... بأصحابهِ عيديَّةٌ كالشَّراجِعِ
معرَّقةُ الأوصالِ أفنى عريكها ... ركودُ رحالِ العيسِ فوقَ البراذِعِ
بيَهْماءَ ما للرَّكبِ فيها معرَّجٌ ... على ما أسافوا مِن حسيرٍ وظالِعِ
فلمَّا استهبَّ الرَّكبُ واللَّيلُ ملبسٌ ... طوالَ الرَّوابي والرِّعانِ الفوارِعِ
قبضْنى بنا قبضَ القطا نُصبتْ لهُ ... شباكٌ فنجَّى بينَ مقصٍ وقاطِعِ
ذكرتَ الهوى إذْ لا تفزِّعكَ النَّوى ... وإذْ دارُ ليلى بالأميلِ فشارِعِ
وما هاجَ دمعَ العينِ مِن رسمِ منزلٍ ... مرَتهُ رياحُ الصَّيفِ بعدَ المرابِعِ
خلاءٍ بوعساءِ الأميلِ كأنَّهُ ... سطورٌ وخيلانٌ بتلكَ الأجارِعِ
ومولًى قدِ استأنيتهُ ولبستهُ ... على الظَّلعِ حتَّى عادَ ليسَ بظالِعِ
عرضتُ أناتي دونَ فارطِ جهلهِ ... ولمْ ألتمسْ عيباً لهُ في المجامِعِ
ولوْ رابهُ ريبٌ منَ النَّاسِ لمْ أكنْ ... معَ المجلبِ المُزري بهِ والمشايِعِ
وكائنْ ترى مِن معجبٍ قدْ حملتهُ ... على جهدهِ حتَّى جرى غيرَ وادِعِ
ثنيتُ لهُ بينَ التَّأنِّي بصكَّةٍ ... تُفادي شؤونَ الرَّأسِ بينَ المسامِعِ
فلمَّا أبى إلاَّ اعتراضاً صككتهُ ... جهاراً بإحدى المُصمتاتِ القوارِعِ
فأقصرَ عنِّي اللاّحظونَ وغشُّهمْ ... مكانَ الجوى بينَ الحشا والأضالِعِ
إذا أقبلُوا أبصرتَ داءَ وجوههمْ ... وإنْ أدبرُوا ولَّوا مراضَ الأخادِعِ
عجبتُ لأقوامٍ تناسيتُ جهلهمْ ... محاولةَ البُقيا وحسنَ الصَّنائِعِ
وقلتُ لهمْ لا تسأمُوا صلحَ قومكمْ ... ولا العيشَ في ثوبٍ منَ الأمنِ واسِعِ
فما زالَ فرطُ الجهلِ عنهمْ ومشيُهمْ ... إلى البغْي في أكنافهمْ والقطائِعِ
وما زالَ فرطُ الجهلِ حتَّى رأيتهمْ ... يفرُّونَ سنَّ الأزلمِ المتجاذِعِ