وحتَّى رُموا بالمُفظعاتِ وأشمتوا ... بهمْ كلَّ راءٍ مِن معدٍّ وسامِعِ
فلمَّا استذاقوا شربةَ الحبِّ وابتلُوا ... مَرارتها كانوا لئامَ الطَّبائِعِ
عباهيلُ لا يدرونَ ما غورُ هفوةٍ ... ولا غبُّ أمرٍ يحفظُ القومَ رائِعِ
ولو صدَقتهمْ أنفسُ الغشِّ بيَّنتْ ... لهمْ أنَّني مستضلعٌ للمقارِعِ
أخو الحربِ لبَّاسٌ لها أدواتِها ... إذا الوغلُ لمْ يلبسْ أذاةَ المنازِعِ
وقورٌ على مكرُوهها متحرِّفٌ ... لأيَّامها مستأنسٌ للمطالِعِ
ولستُ بأنَّا....مهُ ... على دبرٍ مِن آخرِ الأمرِ تابِعِ
وداعٍ إلى غيرِ السَّدادِ ورافدٍ ... على الغيِّ رفداً غيُّهُ غيرُ نافِعِ
ومحتلبٍ حربَ العشيرةِ أُنهلتْ ... لهُ بصراحيٍّ من السُّمِّ ناقِعِ
وقال الكميت أيضاً:
لقدْ كنتُ أُشكى بالعزاءِ فهاجَني ... حمائمُ أُلاّفٍ لهنَّ نحِيبُ
وما كادَ ليلي بالسَّليلةِ ينجلي ... ولا الشَّمسُ يومَ الأنعمينِ تغِيبُ
ويوماً برسِّ ابنِ الشَّمردلِ هيَّجتْ ... لكَ الشَّوقَ حمّاءُ العلاطِ دؤُوبُ
مِن المؤلِفاتِ الطَّلحِ في كلِّ صيفةٍ ... لا جوزلٌ في الجدولينِ ربِيبُ
لعمركَ إنِّي يومَ عرنةِ صارةٍ ... وإنْ قيلَ صبٌّ للهوى لغلُوبُ
أجاذبُ أقرانَ التّلادِ منَ الهوى ... لهِنّى لأقرانِ الهوى لجذُوبُ
إذا عطفاتُ الرَّملِ أعرضنَ دونَنا ... ومِن دونِ هندٍ يافعٌ فطلُوبُ
نأى الوصلُ إلاَّ أنْ يقرِّبَ بينَنا ... منَ العيسِ مقلاتُ اللِّقاحِ سلُوبُ
غُريريَّةُ الأعراقِ أو أرحبيَّةٌ ... بها مِن مرادِ النِّسعتينِ ندُوبُ
منفِّهةٌ ذلاً وتحسبُ أنَّها ... منَ البغيِ لا يخفى عليكَ قضِيبُ
إذا القومُ راحوا مِن مقيلٍ وعلِّقتْ ... ظروفُ أداوَى ما لهنَّ ضبِيبُ
ترى ظلَّها عندَ الرَّواحِ كأنَّهُ ... إلى دفِّها رألٌ يخبُّ جنِيبُ
إذا العيسُ حاذتْ جانبيْها تغيَّظتْ ... على العيسِ مضرارٌ بهنَّ غضُوبُ
تراها إذا الْتاثَ المطايا كأنَّها ... منَ الكدرِ فتخاءُ الجناحِ ضرُوبُ
تحلُّ بنِيها بالفلاةِ وتغتدي ... معاودةٌ وردَ الهجيرِ قرُوبُ
فقدْ عجبتْ منَّا معاذةُ أنْ بدا ... بنا أثرٌ مِن لوحةٍ وشحُوبُ
رأتْني وعبسيّاً نزيعَي جنازةٍ ... ترامتْ بهِ داويَّةٌ وسهُوبُ
كلانا طواهُ الهمُّ حتَّى ضجيعهُ ... حسامٌ ومذعانُ الرَّواحِ خبُوبُ
فقالتْ غريبٌ ليسَ بالشَّامِ أهلهُ ... أجلْ كلُّ علويٍّ هناكَ غرِيبُ
فهلا سألتِ الرّكبَ عنِّي إذا ارْتمى ... بهنَّ أطاويحُ الفلاةِ جنُوبُ
أُهينُ لهمْ رحلي وأعلمُ أنَّما ... يؤولُ حديثُ الرَّكبِ حينَ يؤُوبُ
وأُقفي بما شاؤوا منَ الثّقلِ ناقَتي ... وإنْ كانَ فيها فترةٌ ولغُوبُ
ألا ليتَ حظِّي مِن عثيمةَ إنَّها ... تميلُ إليها أعينٌ وقلُوبُ
يقرُّ بعيني أنْ أرى البرقَ نحوَها ... يلوحُ لنا أوْ أنْ تهبُّ جنُوبُ
تجيءُ بريَّا مِن عثيمةَ طلَّة ... يفيقُ لمسْراها الدَّوا فيثِيبُ
وإنَّ التي منَّتكَ أنْ تسعفَ النَّوى ... بها يومَ نعْفي صارةٍ لكذُوبُ
وإنَّ الذي يشفيكَ ممَّا تضمَّنتْ ... ضلوعكَ مِن وجدٍ بها لطبِيبُ
وإنِّي بعيدٌ محتدي مِن مودَّتي ... وبعدَ المدى في المحفظاتِ غضُوبُ
فما النَّأيُ سلَّى عنْ قلوصَ ولا القِلى ... ولكنْ عداكَ اليأسُ وهيَ قرِيبُ
وقال الكميت:
ألا حيِّيا ربعاً على الماءِ حاضراً ... وربعاً بجنبِ الصُّدِّ أصبحَ بادِيا
منازلَ هندٍ ليتَ أنِّي لمْ أكنْ ... عهدتُ بها هنداً ولمْ أدرِ ما هِيا
بذي الطَّلحِ مِن وادي النُّزوحِ كأنَّما ... كستْ مذهباً جوناً منَ التّربِ عافِيا
أربَّتْ عليها حرجفٌ تنخلُ الحصى ... تهادَى بجولانِ التُّرابِ تهادِيا
فلمْ يبقَ إلاَّ منزلُ الحيِّ قدْ عفا ... وآثارهمْ غبَّ الثَّرى والدَّوادِيا