للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا محالةَ منْ قبرٍ بمحنيةٍ ... وكفنٍ كسراة الثورِ وضَّاحِ

دعِ العجوزينِ لا تسمعْ لقيلهما ... واعمدْ إلى سيّدٍ في الحيِّ جحجاحِ

كانَ الشَّبابُ يلهِّينا ويعجبُنا ... فما وهبنا ولا بعْنا بأرباحِ

يا منْ لبرقٍ أبيتُ اللَّيلَ أرقبهُ ... في عارضٍ كمضيءِ الصُّبحِ لمَّاحِ

دانٍ مسفٍّ فويقَ الأرضِ هيدبهُ ... يكادُ يدفعهُ منْ قامَ بالرَّاحِ

كأنَّ ريقهُ لمَّا علا شطباً ... أقرابُ أبلقَ ينفي الخيلِ رمَّاحِ

هبَّتْ جنوبٌ بأعلاهُ ومالَ بهِ ... أعجازُ مزنٍ يسحّ الماءَ دلاّحِ

فالْتجَّ أعلاهُ ثمَّ ارتجَّ أسفلهُ ... وذاقَ ذرعاً بحملِ الماءِ منصاحِ

كأنَّما بينَ أعلاهُ وأسفلهِ ... ريطاً ينشَّرهُ أو ضوءُ مصباحِ

ينزعُ جلدَ الحصى أجشُّ مبتركٌ ... كأنَّهُ فاحصٌ أو لاعبٌ داحي

فمنْ بنجوتهِ كمنْ بمحفلهِ ... والمستكنُّ كمنْ يمشي بقرواحِ

كأنَّ فيهِ عشاراً جلّةً شرفاً ... شعثاً لَهاميمَ قد همَّتْ بإرشاحِ

هدلاً مشافرُها بحّاً حناجرها ... تُزجي مرابعها في صحصحٍ ضاحي

فأصبحَ الرَّوضُ والقيعانُ ممرعةً ... منْ بينِ مرتفقٍ منها ومُنطاحِ

وقال يرثي فضالة بن كلدة الأسدي:

عينيّ لا يدَّ من سكبٍ وتهمالِ ... على فضالةَ جلَّ الرُّزءُ والعالِ

جمّا عليهِ بماءِ الشَّأنِ واحتفلا ... ليسَ الفقودُ ولا الهلكى بأمثالِ

أمَّا حصانُ فلم تُحجبْ بكلّتِها ... وطفتُ في كلِّ هذا النَّاسِ أحوالي

على امرئٍ سوقةٍ ممنْ سمعتُ بهِ ... أندى وأكملَ منهُ أيّ إكمالِ

أوهبَ منهُ لذي أثرٍ وسابغةٍ ... وقينةٍ عند شربٍ ذاتِ أشكالِ

وخارجيٍّ يزكُّ الألفَ معترضاً ... وهونةٍ ذاتِ شمراخٍ وأحجالِ

أبا دليجةَ منْ تُوصي بأرملةٍ ... أمْ منْ لأشعثَ ذي طمرينِ طملالِ

ومنْ يكونُ خطيبَ القومِ إذْ جعلوا ... لدى ملوكٍ أولي كيدٍ وأقوالِ

أمْ منْ لقومٍ أضاعوا بعضَ أمرهمِ ... بينَ القسوطِ وبينَ الدِّينِ دلدالِ

خافوا الأصيلةَ واعتلَّتْ ملوكهمُ ... وحمِّلوا من أذى غرمٍ بأثقالِ

أبا دليجةَ منْ يكفي العشيرة إذْ ... أمسَوا منَ الأمرِ في لبسٍ وبلبالِ

أمْ منْ لأهلٍ لواءٍ من مسكّعةٍ ... من أمرِهم خلطوا حقّاً بإبطالِ

أمْ منْ لعاديةٍ تردِي ململمةٍ ... كأنَّها عارضٌ في هضبِ أوعالِ

لمَّا رأوكَ على نهدٍ مراكلهُ ... يسعى ببزِّ كمِيٍّ غيرِ معزالِ

وفارسٍ لا يحلُّ الحيُّ عدوتهُ ... ولُّوا سراعاً وما همُّوا بإقبالِ

وما خليجٌ منَ البرُّوتِ ذو حدبٍ ... يرمي الضَّريرَ بخشبِ الطَّلحِ والضَّالِ

يوماً بأجودَ منهُ حينَ تسألهُ ... ولا مغبٌّ بترحٍ بينَ أشبالِ

ليثٌ عليهِ منَ البرديِّ هبريَةٌ ... كالمرزُبانيِّ عيَّالٌ بأوصالِ

يوماً بأجرأَ منه حدَّ بادرةٍ ... على كمِيٍّ بمهوِ الحدِّ قصّالِ

لا زالَ مسكٌ وريحانٌ لهُ أرجٌ ... على صداكَ بصافي اللَّونِ سلسالِ

سقى صداكَ وُمساهُ ومصبحهُ ... رفهاً ورمسُكَ محفوظاً بأظلالِ

ورَّثتَني ودَّ أقوامٍ وخلَّتهمْ ... وذكرةً منكَ تغشاني بإجلالِ

فلنْ يزالَ ثناءٌ غيرَ ما كذبٍ ... قولَ امرئٍ غيرَ ناسيهِ ولا سالي

لعمرُ ما قدرٌ أجدى بمصرعهِ ... لقدْ أخلَّ بعرشي أيَّ إخلالِ

قدْ كانتِ النَّفسُ لو سامُوا الفداءَ بها ... إليكَ مُسمحةً بالأهلِ والمالِ

وقال يرثيه:

أيَّتها النَّفسُ أجمِلي جزعا ... إنَّ الذي تحذرينَ قد وقعا

إنَّ الذي جمَّعَ السَّماحةَ والنَّ ... جدةَ والحزمَ والقوى جُمعا

الألمعي الذي يظنُّ لكَ الظّ ... نَّ كأنْ قدْ رأى وقدْ سمعا

والمخلفَ المتلفَ المرزّأَ لمْ ... يمتعْ بضعفٍ ولمْ يمتْ طبعا

والحافظُ النَّاسَ في الجدوبِ إذا ... لمْ يرسِلوا تحتَ عائذٍ ربعا

وعزَّتِ الشَّمالُ الرِّياحَ وقدْ ... أمسى ضجيعَ الفتاةِ ملتفِعا

<<  <   >  >>