شبَّهتُ آياتٍ بقينَ لها ... في الأولينِ زخارفاً قشُبا
تمشي بها ربدُ النَّعامِ كما ... تمشي إماءٌ سُربلتْ جُببا
ولقدْ أروغُ على الخليلِ إذا ... خانَ الخليلُ الوصلَ أو كذبا
بجلالةٍ سرحِ النّجاءِ إذا ... آلُ الجفاجفِ حولَها اضطربا
وكستْ لوامعهُ جوانبَها ... قصصاً وكانَ لأكمِها سببا
خلطتْ إذا ما السَّيرُ جدَّ بها ... معْ لِينها بمراحها غضبا
وكأنَّ أقْتادي رميتُ بها ... بعدَ الكلالِ ملمَّعاً شببا
منْ وحشِ أنبطَ باتَ منكرساً ... حرجاً يعالجُ مظلماً صخبا
لهقاً كأنَّ سراتهُ كُسيتْ ... خرزاً نقا لمْ يعدُ أنْ قشِبا
حتَّى أُتيحَ لهُ أخو قنصٍ ... شهمٌ يُطر ضوارياً كثبا
يُنحي الدِّماءَ على ترائبها ... والقدَّ معقوداً ومنقضِبا
فذأوْنَهُ شرفاً وكنَّ لهُ ... حتَّى تفاضلَ بينها جلبا
حتَّى إذا الكلابُ قالَ لها ... كاليومِ مطلوباً ولا طلبا
ذكرَ القتالَ لها فراجعَها ... عنْ نفسهِ ونُفوسها ندبا
فنحا بشِرَّتهِ لسابقِها ... حتَّى إذا ما روقهُ اختضبا
كرهتْ ضواريها اللَّحاقَ بهِ ... مُتباعداً منها ومقتربا
وانقضَّ كالدِّرِّيءِ يتبعهُ ... نقعٌ يثورُ تخالهُ طنُبا
يخفى وأحياناً يلوحُ كما ... رفعَ المنيرُ بكفِّه لبا
أبَني لُبينى لمْ أجدْ أحداً ... في النَّاسِ ألأمَ منكمُ حسبا
وأحقّ أنْ يُرمى بداهيةٍ ... إنَّ الدَّواهي تطلعُ الحدبا
وإذا تُسوئلَ عنْ محاتدكمْ ... لمْ توجدوا رأساً ولا ذنَبا
وقال أوس بن حجر أيضاً:
سلا قلبهُ عن سكرهِ فتأمّلا ... وكانَ بذكرى أمِّ عمرٍو موكّلا
وكانَ لهُ الحينُ المتاحُ حمولةً ... وكلُّ امرئٍ رهنٌ بما قدْ تحمّلا
لا أعتبُ ابنَ العمِّ إنْ كنتَ ظالماً ... وأغفرُ عنهُ الجهلَ إن كانَ أجهلا
وإنْ قالَ لي ماذا ترى يستشرُني ... يجدْني ابنَ عمٍّ مخلطَ الأمرِ مزيلا
أُقيمُ بدارِ الحزمَ ما دامَ حزمُها ... وأحرِ إذا حالتْ بأنْ أتحوّلا
وأستبدلُ الأمرَ القويَّ بغيرهِ ... إذا عقدُ مأفونِ الرِّجالِ تحلّلا
فإنِّي امرؤٌ أعددتُ للحربِ بعدَما ... رأيتُ لها ناباً من الشَّرِّ أعصلا
أصمَّ رُدينيّاً كأنَّ كعوبهُ ... نوى القسبِ عرّاصاً مزجّاً منصّلا
عليهِ كمصباحِ العزيزِ يشبُّهُ ... لفصحٍ ويحشوه الذُّبالَ المفتّلا
وأملسَ صوليّاً كنهيِ قرارةٍ ... أحسَّ بقاعٍ نفخَ ريحٍ فأجفلا
كأنَّ قرونَ الشَّمسِ عندَ ارتفاعِها ... وقدْ صادفتْ طلقاً منَ النَّجمِ أعزلا
تردَّدَ فيه ضوؤها وشعاعُها ... فأحصنْ وأزينْ بامرئٍ أنْ تسربلا
وأبيضَ هنديّاً كأنَّ غرارهُ ... تلألؤُ برقٍ في حبِيّ مكلّلا
إذا سلَّ من جفنٍ تأكلَ أثرهُ ... على مثلِ مصحاةِ اللُّجينِ تأكّلا
كأنَّ مدبَّ النَّملِ يتَّبعُ الرُّبى ... ومدرجَ ذرٍّ خافَ برداً فأسهلا
على صفحتيهِ من متونِ جلالهِ ... كفى بالذي أُبلي وأنعتُ منصلا
ومبضوعةٌ من رأسِ فرعٍ شظيَّةٌ ... بطودٍ تراهُ بالسَّحابِ مجلّلا
على ظهرِ صفوانٍ كأنَّ متونهُ ... علِلنَ بدهنٍ يزلقُ المتنزّلا
يطيفُ بها راعٍ يجشّمُ نفسهُ ... ليُكلئَ فيها طرفهُ متأمّلا
فلاقى امرأً من ميدعانَ وأسمحتْ ... قرونتهُ باليأسِ منها فعجّلا
فقالَ لهُ هلْ تذكرنَّ مخبِّراً ... يدلّ على غنمٍ ويقصرُ معملا
على خيرِ ما أبصرتَها منْ بضاعةٍ ... لملتمسٍ بيعاً بها أوْ تأكّلا
فويقَ حبيلٍ شامخِ الرَّأس لم تكن ... لتبلغُه حتَّى تكلّ وتعملا
فأبصرَ ألهاباً من الطّودِ دونها ... ترى بينَ رأسيْ كلِّ نيقين مهبلا
فأشرطَ فيها نفسهُ وهو معصمٌ ... وألقى بأسبابٍ لها وتوكّلا
وقدْ أكلتْ أظفارهُ الصّخرُ كلما ... تعايا عليهِ طولُ مرقًى توصّلا
فما زالَ حتَّى نالها وهو معصمٌ ... على موطنٍ لو زلَّ عنهُ تفصّلا