تراها منْ يبيسِ الماءِ شهباً ... مخالطُ درَّةٍ فيها غزارُ
بكلِّ قرارةٍ منْ حيثُ جالتْ ... ركيَّةُ سنبكٍ فيا انهيارُ
وخِنذيذٍ ترى الغرْمولَ منهُ ... كطيِّ الزِّقِّ علَّقهُ التِّجارُ
يضمَّرُ بالأصائلِ فهو نهدٌ ... أقبُّ مقلِّصٌ فيه اقورارُ
كأنَّ حفيفَ منخرهِ إذا ما ... كتمنَ الرَّبوَ كيرٌ مستعارُ
كأنَّ سراتهُ والخيلُ شعثٌ ... غداةَ وجيفهمْ مسدٌ مغارُ
يظلُّ يعارضُ الرُّكبان يهفو ... كأنَّ بياض غرَّته خمارُ
ولا ينجي من الغمراتِ إلاّ ... براكاءُ القتالِ أو الفرارُ
كأنّي بينَ خافيتيْ عقابٍ ... يكفكفني إذا ابتلَّ العذارُ
وقال بشر بن أبي خازم الأسدي أيضاً، وهي مفضّليّة:
عفت من سليمى رامةٌ فكثيبها ... وشطَّتْ بنا عنكِ النَّوى وغروبها
وغيَّرها ما غيَّر النَّاسَ قبلها ... فبانتْ وحاجاتُ النُّفوسِ تصيبها
ألمْ يأتها أنَّ الدُّموعَ نطافةٌ ... لعينٍ يوافي في المنامِ حبيبها
تحدَّرَ ماءُ العينِ عن جرشيَّةٍ ... على جربةٍ يعلو الدِّبارَ غروبها
بغربٍ ومربوعٍ وعودٍ تقيمهُ ... محالةُ خطَّافٍ تصرُّ ثقوبها
معاليةً لا همَّ إلاّ محجَّرٌ ... وحرَّةُ ليلى السَّهلُ منها ولوبها
رأتني كأُفحوصِ القطاةِ ذؤابتي ... وما مسَّها من منعمٍ يستثيبها
أجبنا بني سعد بن ضبَّةَ إذ دعوا ... فللهِ مولى دعوةٍ لا يجيبها
عطفنا لهمْ عطفَ الضَّروسِ من الملا ... بشهباءَ لا يمشي الضَّراءُ رقيبها
فلمَّا رأونا بالنِّسارِ كأنَّنا ... نشاصُ الثُّريَّا هيَّجتها جنوبها
فكانوا كذاتِ القدرِ لم تدرِ إذ غلتْ ... لتنزلها مذمومةً أو تذيبها
جعلنَ قشيراً غايةً يهتدى بها ... كما مدَّ أشطانَ الدِّلاءِ قليبها
لدنْ غدوةً حتَّى أتى اللَّيلُ دونهمْ ... وأدركَ جريَ المنقياتِ لغوبها
قطعناهمُ فباليمامةِ قطعةٌ ... وأخرى بأوطاسٍ يهرُّ كليبها
إذا ما لحقنا منهمُ بكتيبةٍ ... تذكِّرُ منها ذحلها وذنوبها
نقلناهمُ نقلَ الكلابِ جراءها ... على كلّ معلوبٍ يثورُ عكوبها
لحوناهمُ لحوَ العصيِّ فأصبحوا ... على آلةٍ يشكو الهوانَ حريبها
بني عامرٍ إنَّا تركنا نساءكمْ ... من الشَّلِّ والإيجافِ تدمى عجوبها
عضاريطنا مستبطنو البيض كالدُّمى ... مضرَّجةً بالزَّعفرانِ جيوبها
تبيتُ النِّساءُ المرضعاتُ برهوةٍ ... تفزَّعُ من خوفِ الجبانِ قلوبها
دعوا منبتَ السّيفينِ إنَّهما لنا ... إذا مضرُ الحمراءُ شبَّتْ حروبها
وقال أيضاً يرثي نفسه:
أسائلةٌ عميرةُ عن أبيها ... خلالَ الجيشِ تعترفُ الرِّكابا
تؤمِّلُ أن أؤوبَ لها بنهبٍ ... ولم تعلمْ بأنَّ السَّهمَ صابا
فإنَّ أباكِ قد لاقى غلاماً ... من الأبناءِ يلتهبُ التهابا
وإنَّ الوائليَّ أصابَ قلبي ... بسهمٍ لم يكنْ نكساً لغابا
فرجِّي الخيرَ وانتظري إيابي ... إذا ما القارظُ العنزيُّ آبا
فمنْ يكُ سائلاً عن بيتِ بشرٍ ... فإنَّ لهُ بجنبِ الرَّدةِ بابا
ثوى في ملحدٍ لا بدَّ منهُ ... كفى بالموتِ نأياً واعتزابا
رهينَ بلى وكلُّ فتًى سيبلى ... فأذري الدَّمعَ وانتحبي انتحابا
مضى قصدَ السبيلِ وكلُ حيٍّ ... إذا حانتْ منيَّتهُ أجابا
فإنْ أهلكْ عميرَ فربَّ زحفٍ ... يشبَّهُ نقعهُ رهواً ضبابا
سموتُ لهُ لألبسهُ بزحفٍ ... كما لفَّتْ شآميةٌ سحابا
على ربذٍ قوائمهُ إذا ما ... شأتهُ الخيلُ ينسربُ انسرابا
شديدِ الأسرِ يحملُ أريحيّاً ... أخا ثقةٍ إذا الحدثانُ نابا
صبوراً عندَ مختلفِ العوالي ... إذا ما الحربُ أبرزتِ الكعابا
وطالَ تشاجرُ الأبطالِ فيها ... وأبدتْ ناجذاً منها ونابا
وعزَّ عليَّ أن ألقى المنايا ... ولمَّا ألقَ كعباً أو كلابا
ولمَّا ألقَ خيلاً من تميمٍ ... تضبُّ لثاتها ترجو النِّهابا
ولمَّا يختلطْ خيلٌ بخيلٍ ... فيطّعنوا ويضطربوا اضطرابا