فكم غُصَّةٍ في عبرةٍ قد وجدتها ... وهيَّجها منِّي العيونُ الذَّوارفُ
إذا ذكرتكِ النَّفسُ ظلتُ كأنَّني ... يقرفُ قرحاً في فؤادي قارفُ
وقلتُ لقلبٍ قد تمادى به الهوى ... وأبلاهُ حبٌّ من بثينةَ رادفُ
لَعمركَ لولا الذِّكرُ لانقطعَ الهوى ... ولولا الهوى ما حنَّ للبينِ آلفُ
كلفتُ بحمّاءِ المدامعِ طفلةٍ ... حبيبٌ إلينا قربها لو تناصفُ
منَ اللُّفِّ أفخاذاً إذا ما تقلَّبتْ ... منَ الليلِ وهناً أثقلتها الرَّوادفُ
شفاءُ الهوى أمثالها منتهى المنى ... بها يقتدي البيضُ الكرامُ العفائفُ
قطوفُ الخطا عند الضُّحى عبلةُ الشَّوى ... إذا استعجلَ المشيَ العجالُ النَّحائفُ
أناةٌ كأنَّ الرِّيقَ منها مدامةٌ ... بُعيدَ الكرى أو ذافهُ المسكَ ذائفُ
فتلكَ التي هامَ الفؤادُ بذكرها ... سفاهاً وبعضُ الذِّكرِ للقلبِ شاعفُ
وما أنس من الأشياءِ لا أنسَ قولها ... غداةَ انصداعِ الشَّعبِ هل أنتَ واقفُ
ولا قولها بالخيفِ أنَّى أتيتنا ... حذارَ الأعادي أو متى أنتَ عاطفُ
ولا قولها لي يا جميلُ احفظنَّني ... ونفسكَ من بعضِ الذينَ تلاطفُ
بني عمِّيَ الأدنينَ منهم وغيرهمْ ... من الناسِ ضمَّتهمْ إليكَ المعارفُ
ولا عينها إذ يغسلُ الدَّمعُ كحلها ... وتبدي لنا منها الهوى وهيَ خائفُ
وقالت ترفَّقْ في مقالةِ ناصحٍ ... عسى الدَّهرُ يوماً بعدَ نأيٍ يساعفُ
فإنْ تدُنْ منَّا يرجعِ الودُّ راجعٌ ... وإلا فقد بانَ الحبيبُ الملاطفُ
فولَّيتُ محزوناً وقلتُ لصاحبي ... هو الموتُ إن بانَ الحبيبُ المؤالفُ
وصاحَ ببينِ الدَّارِ منَّا ومنهمُ ... غداةَ ارتحلنا للتَّفرُّقِ هاتفُ
فكمْ قد قطعنا دونكمْ من مجاهلٍ ... وموماةِ أرضٍ دونهنَّ نفانفُ
على كلِّ عيديِّ النَّجارِ مُراكلٍ ... وأدمٍ تبارى وهيَ قودٌ حراجفُ
حراجيجُ أمثالُ القنا تهصُ السُّرى ... إذا نفضتْ هاماتهنَّ الرَّواجفُ
سروا ما سروا من ليلهمْ ثمَّ عرَّسوا ... سُحيراً وقد مالتْ بهنَّ السَّوالفُ
على كلِّ ثنيٍ من يديْ أرحبيَّةٍ ... طوى النَّحضَ عنها نازحاتٌ تنائفُ
إذا جاوزوا أعلامَ أرضٍ بدتْ لهم ... مهامهُ يُخشى في هداها المتالفُ
وقال جميل أيضاً:
عفا بردٌ من أمِّ عمرٍو فلفْلفُ ... فأُدمانُ منها فالصَّرائمُ مألفُ
وعهدي بها إذ ذاكَ والشَّملُ جامعُ ... لياليَ جمْلٌ بالمودَّةِ تسعفُ
فأصبحَ قفراً بعدما كان حقبةً ... وجمْلُ المنى تشتو به وتصيِّفُ
ففرَّقنا صرفٌ من الدَّهرِ لم يكنْ ... له دونَ تفريقٍ من الحيِّ مصرفُ
فليسَ بها إلاّ ثلاثٌ كأنَّها ... حمائمُ سفعٌ حولَ أورقَ عكَّفُ
أأن هتفتْ ورقاءُ ظلتَ سفاهةً ... تبكّي على جملٍ لورقاءَ تهتفُ
وقد نزحَ الدَّمعَ البكاءُ لذكرها ... من العينِ أغرابٌ تفيضُ وتغرفُ
وليسَ بكاءُ المرءِ بالعزفِ والتُّقى ... ولكنَّ عزفَ المرءِ عن ذاكَ أعرفُ
فلو كانَ لي بالصَّرمِ يا بثنَ طاقةٌ ... صرمتُ ولكنّي على الصَّرمِ أضعفُ
لها في سوادِ القلبِ مِ الحبِّ ميعةٌ ... هيَ الموتُ أو كادتْ على الموتِ تشرفُ
وما ذكرتكِ النَّفسُ يا بثنُ مرَّةً ... من الدَّهرِ إلاّ كادتْ النَّفسُ تتلفُ
وإلا علتني عبرةٌ واستكانةٌ ... وفاضَ لها جارٍ من الدَّمعِ يذرفُ
وما استطرفتْ نفسي حديثاً لِخلَّةٍ ... أسرُّ به إلاّ حديثكِ أظرفُ
لعمركَ لا ينفكُّ حبُّكِ فاعلمي ... جوًى لازمي ما دامتِ العينُ تطرفُ
أمنصفتي جملٌ فتعدلَ بيننا ... إذا حكمتْ والعادلُ الحكمَ ينصفُ
تعلَّقْتها والنَّفسُ منِّي صحيحةٌ ... فما زال ينمي حبُّ جملٍ وتضعفُ
إلى اليومِ حتَّى سلَّ جسمي وشفَّني ... وأنكرتُ من نفسي الذي كنتُ أعرفُ
شعفتُ بجملٍ بعدَ إذ كنتُ سالياً ... ومثلُ الذي ألقى من الحبِّ يشعفُ
صيودٌ كغصنِ البانِ ما فوقَ حقْوها ... وما تحتهُ منها نقاً يتقصَّفُ