للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنا ابنُ حماةِ العالمينَ وراثةً ... وأعظمهم جرثومةً في الجرائمِ

وأمنعهم داراً وأكثرهم حصىً ... وأدفعهم عن جارهِ للمظالمِ

وقال عروة بن أذينة أيضاً:

أهاجتكَ دارُ الحيِّ وحشاً جنابها ... أبت لم تكلمنا وعيَّ جوابها

نعم ذكرتنا ما مضى وبشاشةً ... إذا ذكرتها النفسُ طالَ انتحابها

وعيشاً بسعدى لانَ ثمَّ تقلبت ... به حقبةٌ غالَ النفوسَ انقلابها

كأن لم يكن ما بيننا كانَ مرةً ... ولم تغنَ في تلكَ العراصِ قبابها

ألا لن يعودَ الدهرُ خلةَ بيننا ... ولكن إيابُ القارظينِ إيابها

وعهدي بها ذوابةُ الطرفِ تنتهي ... إلى رملةٍ منها هيالٍ حقابها

وما فوقهُ لدنُ العسيبِ وشاحهُ ... يغني الحشا أثناؤها واضطرابها

وتضحكُ عن حمشِ اللثاثِ كأنما ... نشا المسكِ في ذوبِ النسيلِ رضابها

على قرقفٍ شجت بماءِ سحابةٍ ... لشربٍ كرامٍ حينَ فتَّ قطابها

لها واردٌ دانٍ على جيد ظبيةٍ ... بسائلةٍ ميثاء عفرٍ ذئابها

دعاها طلاً خافت عليهِ بجزعها ... كواسبَ لحمٍ لا يمنُّ اكتسابها

إذا سمعت منهُ بغاماً تعطفت ... وراعَ إليهِ لبها وانسلابها

ألمت بنا طيفاً تسدى ودونهُ ... مخاريقُ حسمى قورها وهضابها

كأنَّ خزامى طلةً ضافها الندى ... وفارةَ مسكٍ ضمنتها ثيابها

فكدتُّ لذكراها أطيرُ صبابةً ... وغالبتُ نفساً زادَ شوقاً غلابها

إذا اقتربت سعدى لججتَ بهجرها ... وإن تغترب يوماً يرعكَ اغترابها

ففي أيِّ هذا راحةٌ لكَ عندها ... سواءٌ لعمري نأيها واقترابها

تباعدها عندَ الدنوِّ وربما ... دنت ثمَّ لم ينفع وشدَّ حجابها

وفي النأي منها ما علمتَ إذا النوى ... تجردَ ناويها وشدت ركابها

كفى حزناً ألاَّ تزالَ مريرةً ... شطونٌ بها تهوي يصيحُ غرابها

يقولُ لي الواشونَ سعدى بخيلةٌ ... عليكَ معنٍّ ودها وطلابها

فدعها ولا تكلف بها إذ تغيرت ... فلم يبقَ إلاَّ هجرها واجتنابها

فقلتُ لهم سعدى عليَّ كريمةٌ ... وكالموتِ بلهَ الصرمِ عندي عتابها

فكيفَ بما حاولتمُ إنَّ خطةً ... عرضتم بها لم يبقَ نصحاً خلابها

وسعدى أحبُّ الناسِ شخصاً لو أنها ... إذا أصقبت زيرت وأجدى صقابها

ولكن أتى من دونها كلمُ العدى ... ورجمُ الظنونِ جورها ومصابها

فأمست وقد جذت قوى الحبلِ بغتةً ... وهرت وكانت لا تهرُّ كلابها

وعادَ الهوى منها كظلِّ سحابةٍ ... ألاحت ببرقٍ ثمَّ مرَّ سحابها

فلا يبعدن وصلٌ لها ذهبت بهِ ... ليالٍ وأيامٌ عناناً ذهابها

ولا لذةُ العيش الذي لن يردهُ ... على النفسِ يوماً حزناً واكتئابها

ولا عبراتٌ يترعُ العينَ فيضها ... كما فاضَ من شكٍّ الصناع طبابها

إذا أغرقت إنسانها وسوادهُ ... تداعى بملءِ الناظرين انسكابها

ومن حبِّ سعدى لا أقولُ قصيدةً ... أرشحها إلاَّ لسعدى شبابها

لها مهلٌ من ودنا ومحلةٌ ... من القلبِ لم تحلل عليها شعابها

فإن تكُ قد شطت بها غربةُ النوى ... وشرفَ مزداراً عليكَ انتيابها

فقد كنتَ تلقاها وفي النفسِ حاجةٌ ... على غيرِ عينٍ خالياً فتهابها

وتشفقُ من إحشامها بمقالةٍ ... إذا حضرت ذا البثِّ غلقَ بابها

فلا وأبيها ما دعانا تهالكٌ ... إلى صرمها إن عنَّ عنا ثوابها

وما زال يثنيني على حبِّ غيرها ... وإكرامهِ إكرامها وحبابها

وقولي عسى أن تجزني الودَّ أو ترى ... فتعتبَ يوماً كيفَ دأبي ودأبها

وكم كلفتنا من سرى حدِّ ليلةٍ ... حبيبٌ إلى الساري المجدِّ انجيابها

كأن على الأشرافِ ضربَ جليدةٍ ... ندائفَ برسٍ جللتهُ حدابها

ومن فورِ يومٍ ناجمٍ متضرمٍ ... بأجوازِ موماةٍ تعاوى ذئابها

يظلُّ المها فيها إلى كلِّ مكنسٍ ... دموحاً إذا ما الشمسُ سالَ لعابها

ووالى الصريرَ الجندبُ الجونُ وارتقت ... حرابيُّ في العيدانِ حانَ انتصابها

<<  <   >  >>